بعد انقطاع دام 6 سنوات، جاءت زيارة وفد الكونجرس الأمريكي إلى الصين الأسبوع الماضي، كجزء من “رحلة كسر الجليد” بين البلدين، وسط مفاوضات تجارية، ومحاولات لاستعادة التواصل بين أكبر جيشين في العالم، لتجنب “سوء التقدير الاستراتيجي”.
وشكلت الزيارة “النادرة”، نافذة مهمة لمراقبة التطورات الأخيرة في العلاقات الصينية-الأمريكية، وموقف الولايات المتحدة من الصين، واعتبرتها الصين “فرصة لتقديم فهم ميداني أفضل”، للوفد الزائر عن الصين، وتبني موقف “أكثر عقلانية” إزاء بكين.
وترأس الوفد الأمريكي النائب آدم سميث، العضو البارز في لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، وعضوية النواب مايكل بومجارتنر، ورو خانا، وكريسي هولاهان.
ودعا الوفد إلى مزيد من الحوارات الدبلوماسية والعسكرية من أجل استقرار العلاقات الثنائية.
وقال تنج جيان تشيون، الخبير في الشؤون الأمريكية، والذي عمل سابقاً بالخارجية الصينية، إنه من المعتاد أن يلتقي المسؤولين الصينيين مع أعضاء الكونجرس الأميركي عند زيارتهم الصين، غير أن هذه الزيارة تختلف.
وأضاف: “العلاقات الصينية-الأمريكية في حالة جمود، وسط منافسة شديدة في مجالات مثل الأمن والاقتصاد والتجارة والدبلوماسية. لذلك فإن زيارة أعضاء الكونجرس الأميركي حظيت ليس فقط باهتمام كبير من الصين، بل جذبت أيضاً اهتماماً واسعاً من المجتمع الدولي، وهي بلا شك إشارة مهمة لتعزيز التعاون بين البلدين”.
التقى وفد مجلس النواب الأمريكي الأحد، مع رئيس الوزراء الصيني لي تشيانج في بكين، في أول زيارة رسمية من نوعها منذ ست سنوات.
وأشار تنج إلى أن ترتيبات اللقاءات تعكس قضيتين محوريتين للوفد: الاقتصاد والتجارة، والمحادثات على المستوى العسكري.
أما دياو دامينج، الأستاذ المعروف بدراساته عن الكونجرس الأميركي في كلية الدراسات الدولية بجامعة رنمين الصينية، والذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع وزارة الخارجية الصينية، فقال إن الزيارة “مفيدة لأعضاء الكونجرس الأمريكي لفهم الوضع الحقيقي في الصين وتشكيل تصور صحيح عنها، بما يدفعهم إلى تبني موقف أكثر عقلانية عند مناقشة القضايا المتعلقة بالصين. وهذا تحديداً ما شددت عليه الصين خلال الاجتماعات، معربة عن أملها بأن ينظر الكونجرس بشكل صحيح إلى الصين والعلاقات الصينية-الأميركية، وأن يعمل بفعالية على تعزيز التبادلات والتعاون بين البلدين بما يسهم في الصداقة والتنمية المشتركة”.
ومنذ عام 2019، لم يزر أي من أعضاء مجلس النواب الأميركي الصين.
وبخلاف الزيارات السابقة الممولة من “اللجنة الوطنية للعلاقات الأميركية – الصينية”، جاءت هذه الزيارة بتمويل من الحكومة الفيدرالية، ما يبرز الأهمية التي توليها الإدارة الأميركية لهذه الزيارة.
ويُنظر تقليدياً إلى الكونجرس باعتباره “معقلاً معادياً للصين” في واشنطن، حيث يُقترح سنوياً ما بين 300 إلى 400 مشروع قانون متعلق بالصين.
ووصف مسؤولون رفيعو المستوى في الصين هذه الزيارة بأنها “رحلة كسر جليد”، وأشاروا إلى أن رئيس مجلس الدولة لي تشيانج، ونائب رئيس مجلس الدولة خه لي فنج، ورئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب تشاو له جي، ووزير الدفاع دونج جون، ووزير الخارجية وانج يي التقوا على التوالي بالوفد المشترك من أعضاء مجلس النواب الأمريكي في بكين.
وفي 21 سبتمبر، دعا رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانج الكونجرس الأمريكي إلى تعزيز التبادلات وتيسير التعاون الثنائي، مشيراً إلى أن هذه هي أول زيارة لوفد من مجلس النواب إلى الصين منذ عام 2019، وخطوة أساسية نحو علاقات مستقرة.
وقال: “لا ينبغي أن تزور تلك الشخصيات الأميركية المهمة الصين مرة واحدة كل ست أو سبع سنوات فقط”.
ودعا نائب رئيس مجلس الدولة خه لي فنج، وهو أيضاً المسؤول الصيني عن الشؤون الاقتصادية والتجارية مع الولايات المتحدة، أعضاء الكونجرس إلى “لعب دور إيجابي في تسهيل التنمية المشتركة للبلدين من خلال فتح قنوات التواصل والمساعدة في تعزيز الحوار”.
وفي اليوم نفسه، دعا وزير الدفاع الصيني دونج جون إلى اتخاذ تدابير عملية لتحسين العلاقات بين البلدين وجيشيهما. واستشهد دونج بالمكالمات الهاتفية الأخيرة بين الرئيسين الصيني والأميركي، وحث لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب على إزالة العوائق أمام علاقات عسكرية أفضل.
وأكد دونج على خط الأساس المتمثل في “عدم الصراع وعدم المواجهة”، و”تصحيح الإدراك الاستراتيجي لتجنب سوء التقدير”.
ومنذ أن صنفت الولايات المتحدة الصين كمنافس استراتيجي في عام 2017، أصبحت السياسة الأميركية تجاه الصين خاضعة في الأساس للبيت الأبيض، بينما نادراً ما تواصل الكونجرس مع الصين. أما الآن، فإن زيارة ممثلي مجلس النواب إلى الصين والتوقعات باستعادة آلية التبادل الدبلوماسي مع الصين تعني أن سياسة واشنطن تجاه بكين لن تقتصر على البيت الأبيض أو السلطة التنفيذية فقط، بل سيشارك فيها الفرع التشريعي أيضاً.
المصدر: وكالات

