\
منذ بدء الحرب على غزة شن الاحتلال الإسرائيلى مئات الهجمات التي استهدفت أكثر من 500 مبنى مدرسي، كثير منها كان يُستخدم مأوًى، ما أسفر عن مقتل مئات المدنيين وإلحاق أضرار جسيمة بمدارس غزة جميعها تقريبا.
حرمت الهجمات الإسرائيلية المدنيين من الملاجئ الآمنة، وستساهم في تعطيل التعليم لسنوات عديدة، إذ قد يتطلب إصلاح المدارس وإعادة بنائها الكثير من الموارد والوقت.
قالت هيومن رايتس ووتش إن الهجمات القاتلة التي شنتها القوات الإسرائيلية على المدارس التي تؤوي مدنيين فلسطينيين تسلط الضوء على غياب الأماكن الآمنة للنازحين في غزة.
الضربات الإسرائيلية الأخيرة على المدارس التي تحولت إلى ملاجئ تأتي ضمن الهجوم العسكري الحالي للقوات الإسرائيلية الذي يدمر معظم البنية التحتية المدنية المتبقية في غزة، ويهجّر مجددا مئات آلاف الفلسطينيين، ويفاقم الوضع الإنساني المتردي أصلا, وينبغي للحكومات، بما فيها الولايات المتحدة، التي زودت إسرائيل بالأسلحة المستخدمة في الهجمات غير القانونية، حظر توريد الأسلحة إلى الحكومة الإسرائيلية واتخاذ تدابير عاجلة أخرى لإنفاذ “اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها”.
قال جيري سيمبسون، المدير المشارك لقسم الأزمات والنزاعات والأسلحة في هيومن رايتس ووتش: “الغارات الإسرائيلية على المدارس التي تؤوي عائلات نازحة هي عيّنة من سفك الدماء الذي ترتكبه القوات الإسرائيلية في غزة ,و على الحكومات الأخرى ألا تتسامح مع هذا القتل المروع بحق المدنيين الفلسطينيين الباحثين عن الأمان”.
حققت هيومن رايتس ووتش في الهجمات الإسرائيلية على “مدرسة خديجة” للبنات في دير البلح في 27 يوليو/تموز 2024، التي قتلت 15 شخصا على الأقل، ومدرسة الزيتون ج في حي الزيتون بمدينة غزة في 21 سبتمبر/أيلول 2024، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 34 شخصا. لم تجد هيومن رايتس ووتش أي دليل على وجود هدف عسكري في أي من المدرستين.
استندت هذه النتائج إلى مراجعة صور الأقمار الصناعية والصور الفوتوغرافية والفيديوهات للهجمات وآثارها، ومواد من وسائل التواصل الاجتماعي تتعلق برجال عُرف أنهم لقوا حتفهم في الهجومين، ومقابلات هاتفية مع شخصين شاهدا آثار الهجوم على مدرسة خديجة وشخص آخر كان حاضرا أثناء الهجوم على مدرسة الزيتون ج.
لم تقدم السلطات الإسرائيلية معلومات علنية عن الهجمات التي وثّقتها هيومن رايتس ووتش، بما في ذلك تفاصيل عن الهدف المقصود أو أي احتياطات اتُّخذت لتقليل الأضرار بالمدنيين. كما لم تردّ على رسالة بتاريخ 15 يوليو تلخص نتائج هيومن رايتس ووتش بشأن هذه الضربات وتطلب معلومات محددة.
غياب الهدف العسكري في القصف على مدرستَيْ خديجة والزيتون يجعل هذه الهجمات عشوائية بشكل غير قانوني، في انتهاك للقانون الإنساني الدولي. المدارس والمرافق التعليمية الأخرى هي أعيان مدنية ومحمية من الهجمات وهي تفقد هذه الحماية عندما تُستخدم لأغراض عسكرية أو تحتلها قوات عسكرية .
بين 1 و10 يوليو 2025، قصفت القوات الإسرائيلية ما لا يقل عن 10 مدارس تحولت إلى ملاجئ، بعضها كان قد تعرض سابقا لأضرار، ما أسفر عن مقتل 59 شخصا وتهجير عشرات الأسر مجددا، وفقا لـ “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية” (أوتشا).
وأفادت “وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى” (الأونروا) أن حوالي مليون نازح في غزة لجأوا إلى المدارس وسط الأعمال العدائية، وأنه حتى 18 يوليو، قُتل 836 شخصا على الأقل من الذين لجأوا إلى المدارس وأصيب 2,527 آخرون على الأقل.
ووجد أحدث تقييم أجرته “مجموعة التعليم في الأراضي الفلسطينية المحتلة” أن 97% من المباني المدرسية في غزة (547 من أصل 564) لضرر بمستوى معين، بما في ذلك 462 (76%) “تضررت بشكل مباشر”، وأن 518 (92%) تتطلب “إعادة بناء كاملة أو أعمال إعادة تأهيل كبرى لتصبح صالحة للاستخدام مجددا”.
وقد حرمت الهجمات الإسرائيلية المدنيين من المأوى وستساهم في تعطيل التعليم لسنوات عديدة، إذ سيتطلب إصلاح المدارس وإعادة بنائها الكثير من الموارد والوقت، مع ما يترتب على ذلك من آثار سلبية كبيرة على الأطفال وأولياء الأمور والمعلمين.
أفاد الموقعان الإسرائيليان “مجلة +972″ و”سيحا ميكوميت” في 24 يوليو أن الجيش الإسرائيلي أنشأ “خلية خاصة للقصف لتحديد المدارس بشكل منهجي، والتي يشار إليها باسم ‘مراكز الثقل’، من أجل قصفها، بدعوى أن عناصر حماس يختبئون بين مئات المدنيين”.
وأشار التقرير إلى أن الضربات “المزدوجة” – وهي هجمات ثانية في الموقع نفسه تهدف إلى ضرب الناجين من الضربة الأولى وعناصر الإنقاذ – “أصبحت شائعة بشكل خاص في الأشهر الأخيرة عندما قصفت إسرائيل المدارس في غزة”.
وادعى الجيش الإسرائيلي فيما يتعلق بعشرات الهجمات على المدارس أن ثمة تمركز لعناصر حماس أو مقاتلين فلسطينيين آخرين أو مراكز “قيادة وسيطرة” في المدرسة، دون تقديم معلومات محددة. ولا تعلم هيومن رايتس ووتش سوى بسبع حالات نشر فيها الجيش الإسرائيلي أسماء وصور لأفراد مزعومين من فصائل مسلحة فلسطينية قال إنهم كانوا موجودين في مدرسة وقت الهجوم.
بعد هجوم 6 يونيو 2024 على مدرسة “السردي”، حدد الجيش الإسرائيلي 17 اسما لمقاتلين مزعومين. لكن مراجعة هيومن رايتس ووتش للأسماء كشفت أن ثلاثة منهم كانوا على ما يبدو قد قُتلوا في هجمات سابقة.
وجود فصائل مسلحة فلسطينية في أي من المدارس التي تعرضت للهجوم لا يجعل الهجمات قانونية بالضرورة. تحظر قوانين الحرب شن هجمات على أعيان عسكرية إذا كان الضرر المتوقع بالمدنيين والأعيان المدنية غير متناسب مع المكاسب العسكرية المتوقعة من الهجوم.
كما تنص قوانين الحرب على أن تعطي الأطراف المتحاربة، ما لم تمنع الظروف ذلك، “إنذارا مسبقا فعالا” بالهجمات التي قد تؤثر على السكان المدنيين.
نشر الفصائل المسلحة في المدارس التي تحولت إلى ملاجئ يعرّض المدنيين لخطر غير مبرر وتلزم قوانين الحرب الأطراف المتحاربة باتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة ضد آثار الهجمات وتجنب وضع أهداف عسكرية بالقرب من المناطق المكتظة بالسكان.
تشكل الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب من قبل أفراد ذوي نوايا إجرامية – أي عمدا أو بتهور – جرائم حرب ويمكن أيضا أن يتحمل الأفراد المسؤولية الجنائية عن المساعدة في جرائم الحرب أو تسهيلها أو الإعانة عليها أو التحريض عليها. وجميع الدول الأطراف في نزاع مسلح ملزمة بالتحقيق في جرائم الحرب المزعومة التي يرتكبها أفراد قواتها المسلحة.
يهدف “إعلان المدارس الآمنة”، وهو التزام سياسي دولي أقرّته 121 دولة، إلى حماية التعليم في أوقات الحرب من خلال تعزيز الوقاية من الهجمات على الطلاب والمعلمين والمدارس والجامعات والتصدي لها، بسبل تشمل تجنب استخدام المرافق التعليمية لأغراض عسكرية. في حين أن إسرائيل لم تنضم إلى الإعلان، أيدته فلسطين في العام 2015.
ينبغي للحكومات تعليق نقل الأسلحة إلى إسرائيل، نظرا إلى الخطر الواضح المتمثل في إمكانية استخدام هذه الأسلحة لارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي أو تسهيلها. تزويد الحكومة الأمريكية إسرائيل بالأسلحة، التي استُخدمت مرارا وتكرارا في ضربات على مدارس تحولت إلى ملاجئ ولارتكاب جرائم حرب مفترضة، جعل الولايات المتحدة متواطئة في استخدامها غير القانوني.
في 10 يونيو، أفادت “لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلّة، بما في ذلك القدس الشرقية، وإسرائيل” أن السلطات الإسرائيلية “دمرت النظام التعليمي في غزة” وأن هجماتها على المواقع التعليمية والدينية والثقافية في الأراضي الفلسطينية المحتلة كانت ضمن “هجوم واسع النطاق لا هوادة فيه ضد الشعب الفلسطيني ارتكبت فيه القوات الإسرائيلية جرائم حرب وجريمة ضد الإنسانية تتمثل في الإبادة”.
قال سيمبسون: “بعد نحو عامين من الهجمات الإسرائيلية المتكررة التي قتلت مدنيين في المدارس وأماكن محمية أخرى، لا يمكن للحكومات التي تقدم الدعم العسكري لإسرائيل أن تقول إنها لم تكن تعلم عواقب أفعالها. على الحكومات أن تعلق جميع عمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل وتتخذ إجراءات أخرى لمنع المزيد من الفظائع الجماعية”.
المصدر: هيومن رايتس ووتش

