مع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، عاد الأمل في تقارب أميركي-روسي قد يُفضي إلى نهاية الحرب في أوكرانيا، لكن ما جرى خلال الأيام الأخيرة كشف عن تحول دراماتيكي في مسار العلاقات بين واشنطن وموسكو.
فبدلاً من التهدئة، تصاعد التوتر بشكل خطير بعد تصريحات نارية متبادلة بين نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف والرئيس الأميركي، وبلغت ذروتها بإعلان ترامب نشر غواصتين نوويتين بالقرب من روسيا، ما أعاد إلى الأذهان أجواء أزمة كوبا النووية في الستينات.
في تعليق حاد، اعتبر ترامب أن ميدفيديف “دخل منطقة خطيرة جداً” بتصريحاته، ودعاه إلى “مراقبة كلماته”، مؤكداً أنه لا توجد حالياً أي علاقات مع روسيا، وأن واشنطن حريصة على الإبقاء على هذه القطيعة. الرد الروسي جاء على لسان ميدفيديف، الذي قال إن “روسيا ليست إيران ولا إسرائيل”، محذراً من أن الإنذارات المتكررة والدفع نحو اتفاق بالقوة هي “خطوات نحو الحرب”.
القرار الأميركي بنشر غواصتين نوويتين جاء، بحسب مسؤولين، كرد مباشر على خطاب ميدفيديف.
و يعتبر نشر الغواصات لا يُنذر بالحرب بقدر ما يُنذر بتدهور غير مسبوق في العلاقات، حيث ان الخيبة التي يشعر بها ترامب تجاه موقف موسكو من أوكرانيا دفعته نحو سياسة أكثر حزماً.
وجديربالذكر أن هناك تبدلات داخل أميركا نفسها، حيث تلعب عوامل مثل صعود الجناح الأمني داخل الحزب الجمهوري، وتأثير “الماجا الغاضبة”، وانفكاك بعض أقطاب التكنولوجيا، دوراً في تحديد اتجاه سياسة ترامب. غير أن الأهم، وفق تعبيره، هو نجاح الأوروبيين في إقناع ترامب بأن بوتين “لا يسعى فعلياً لوقف الحرب”.
و جديربالذكر ايضا ان البورصات الأميركية خسرت ما يقرب من 1.1 تريليون دولار بسبب هذا التصعيد، حيث ان “اللعبة بين ترامب وميدفيديف تبدو كأنها توم وجيري نووي”.
ووجود غواصات نووية من طراز “أوهايو” في الأطلسي والهادئ ليس جديداً، لكن الإعلان عنها بهذا الشكل يُعد سابقة، خاصة أن تحريك الغواصات النووية “لا يتم بين ليلة وضحاها، وهو قرار خطير وسري للغاية”
و مما لا شك فيه ان ميدفيديف يبدو وكأنه يتصرف كـ”مدوّن سياسي” أكثر من كونه مسؤولاً رسمياً، مشيراً إلى أنه من أبرز الأصوات الروسية على وسائل التواصل الاجتماعي، على عكس الرئيس بوتين الذي لا يستخدمها. لكنه نبه إلى أن لقاء ميدفيديف مع بوتين في جزيرة “والام” قبل أيام من تصريحاته قد يكون مؤشراً على تنسيق موقف، لا مجرد رأي فردي.
الكرملين، في المقابل، يُظهر مرونة معلنة. فالرئيس فلاديمير بوتين، تحدث بإيجابية مؤخراً عن الوفد التفاوضي الأوكراني، وعبّر عن انفتاحه على فكرة “منظومة أمنية أوروبية شاملة”، وهي نقطة ظلت موسكو تتمسك بها منذ ما قبل الحرب. كما أن عودة السفير الروسي إلى واشنطن تشي بمحاولة الحفاظ على الحد الأدنى من قنوات الاتصال، حتى وإن كان ملف أوكرانيا قد طغى على باقي الملفات الثنائية.
يبقى السؤال الأساسي: هل نحن أمام لحظة حقيقية من خطر الانفجار النووي، أم أنها مجرد جولة من جولات الضغط القصوى ضمن سباق الإرادات بين روسيا وأمريكا؟ مهما كانت الإجابة، فإن التصعيد الأخير أعاد إلى الأذهان سؤالاً ظل مطروحاً منذ عقود: هل بات العالم أقرب من أي وقت مضى إلى حافة الهاوية؟
المصدر : وكالات انباء

