زيارةٌ ثقيلة بالرسائل، مثقلة بالتوقيت، ومحفوفة بالأسئلة؛ هكذا وصفها محللون، بعد أن حطّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رحاله في العاصمة الأمريكية واشنطن، للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ورغم الرمزية السياسية للقاء، جاءت تفاصيله مشوشة، يلفّها الغموض، بعد إعلان البيت الأبيض بشكل مفاجئ إلغاء المؤتمر الصحفي المشترك، الذي كان مقرراً أن يعقد عقب اللقاء الرسمي.
تزامنت هذه الزيارة مع حراك دبلوماسي محموم في المنطقة، لا سيما في القاهرة، حيث عقدت قمة ثلاثية جمعت الرئيس عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بدفع أوروبي عربي واضح للبحث عن صيغة دبلوماسية تنهي الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، وتفتح نافذة سياسية في جدار الأزمة المسدود.
الإلغاء المفاجئ للمؤتمر الصحفي، رغم ترتيباته المعلنة، لم يكن مجرد تفصيل بروتوكولى حيث أثارت الخطوة الكثير من التساؤلات، خاصة أن هذا اللقاء كان يُفترض أن يُتوّج بإعلان سياسي أو رسالة مشتركة، لكنها غابت، ليبقى الغموض هو العنوان العريض”.
واكتفى البيت الأبيض بتصريحات مقتضبة عن “ضيق الوقت” و”تغيير في البرنامج”، في حين رفض مكتب نتنياهو التعليق.
على الطاولة، حضر ملف غزة كأولوية ضاغطة. فبينما تدفع واشنطن وعواصم عربية نحو وقف شامل لإطلاق النار، يواصل نتنياهو التمسك بخيارات عسكرية، ويراهن على تمديد الدعم الأميركي، وتحديداً الجمهوري، لضمان “حرية العمليات” في القطاع، ورفض أي صيغة سياسية تقود إلى تسوية مع حماس، أو حتى العودة لمسار حل الدولتين.
ملامح صفقة أم تحضير لما بعد الحرب؟
ورغم التكتم الإعلامي على فحوى اللقاء، تتسرب من دوائر صنع القرار في تل أبيب معلومات تشير إلى محاولة نتنياهو طرح أفكار تتعلق بـ”صفقة تبادل” تُنهي المواجهة في غزة مرحلياً، دون التزامات سياسية بعيدة المدى، مع بقاء القوات الإسرائيلية في أجزاء من القطاع، وفرض واقع أمني دائم على الحدود.
ويطرح بعض المحللين أن جزءاً من زيارة نتنياهو يهدف لاختبار مواقف ترامب من ترتيبات ما بعد الحرب، بما في ذلك “خطة التهجير الجزئي” لسكان غزة، والتي تروج لها أوساط يمينية في حكومة نتنياهو، وتواجه رفضاً دولياً واسعاً.
اللافت أن زيارة نتنياهو إلى واشنطن جاءت بالتزامن مع حراك دبلوماسي عربي – أوروبي محموم، بلغ ذروته في قمة القاهرة الثلاثية، التي ركزت على تثبيت وقف إطلاق النار، وتأمين دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، والعودة إلى المسار السياسي.
في المقابل، تبدو إسرائيل – أو على الأقل حكومة نتنياهو – وكأنها تسير في مسار مناقض، يقوم على “استثمار اللحظة” لفرض وقائع استراتيجية جديدة، تتعلق بغزة والضفة والحدود الشمالية مع لبنان.
ويتضح من تصريحات نتنياهو الأخيرة، وإصراره على استمرار العمليات حتى “تحقيق النصر الكامل”، أن أي حديث عن تهدئة دائمة ما زال بعيداً عن حسابات تل أبيب وهو ما يعزز الخشية من اتساع رقعة الحرب، في حال استمرار تجاهل المسارات الدبلوماسية، وتقديم الحسابات الانتخابية على ضرورات التهدئة”.
تشير زيارة نتنياهو إلى واشنطن وإلغاء المؤتمر الصحفي إلى أكثر من مجرد خلل بروتوكولي. إنها لحظة تكشف حجم التعقيد في العلاقة بين إسرائيل وحلفائها التقليديين، وتسلط الضوء على التباينات الداخلية في واشنطن بين المؤسسة الرسمية ومرشح الحزب الجمهوري.
وبينما يتحرك العالم لمحاولة كبح جماح الحرب في غزة، يبدو أن إسرائيل تسعى لكسب الوقت، وتحقيق أكبر قدر من المكاسب الميدانية قبل الدخول في أي تسوية، ما ينذر باستمرار النزيف الإنساني، وتفاقم التوترات الإقليمية.
والمؤكد أن زيارة نتنياهو لواشنطن حملت رسائل مبطّنة أكثر مما حملت مواقف واضحة.
المصدر : وكالات