يبدأ مؤتمر ميونخ للأمن دورته الـ61، اعتبارا من غدا الجمعة ولمدة ثلاثة أيام بمدينة ميونخ الألمانية ومن المتوقع أن يحضره 60 رئيس دولة وحكومة، ويعد هذ المؤتمر بمثابة المنتدى الأكثر أهمية في العالم للسياسة الأمنية حيث تطرح على طاولته سلسلة من القضايا والتحديات المهمة وسط تفاؤل المشاركين بإمكانية تحقيق تقدم بشأن قضايا الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط وعدد من القضايا الأخرى.
وسيجمع مؤتمر ميونيخ للأمن وزراء الخارجية والقادة من جميع أنحاء العالم، مما يوفر منصة حاسمة للمناقشات الدبلوماسية حول الحرب والترتيبات الأمنية المستقبلية في أوروبا.
وفي هذا السياق .. أعلنت الشرطة الألمانية أنه تم إقامة حاجز أمني حول مكان انعقاد المؤتمر، وهو فندق بايريشر هوف الفاخر، وتم فرض حظر على الطيران فوق المدينة، بما في ذلك الطائرات بدون طيار وسط توقعات بأن يثير المؤتمر حوالي 40 مظاهرة مختلفة هذا الأسبوع.
وقال كريستيان هوبر، رئيس قسم العمليات في مقر شرطة ميونيخ، إن هذا “العدد من الأحداث لم نشهده منذ فترة طويلة”.
وأكد أنه سيتواجد حوالي 5000 ضابط شرطة في الخدمة خلال الأيام الثلاثة للمؤتمر، مع الدعم القادم من جميع أنحاء ألمانيا وحتى النمسا.
وأضاف هوبر أن “الوضع السياسي الحالي” وتوقيت المؤتمر قبل وقت قصير من الانتخابات العامة في ألمانيا المقررة في 23 فبراير من المرجح أن يكونا سببا في زيادة المظاهرات، مشيرا إلى أن المنتدى سيفتتح يوم الجمعة، لكن معظم المظاهرات ستكون يوم السبت.
وسجلت مجموعة تسمى تحالف العمل ضد مؤتمر الأمن التابع لحلف شمال الأطلسي مسيرة تضم ما يصل إلى 1500 شخص، والتي من المقرر أن تمر بمؤسسة أمريكا هاوس الثقافية والقنصلية الإسرائيلية في ميونخ ومن المتوقع أن تشارك مجموعات مؤيدة للفلسطينيين.
ومن المتوقع أن يحضر المؤتمر الذي يستمر حتى يوم الأحد المقبل، الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ونائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس ووزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو.
يشار إلى أنه في السنوات الأخيرة، لم يشهد مؤتمر ميونيخ للأمن مظاهرات ضد الحرب والإنفاق العسكري فحسب، بل وأيضا ضد عمليات الإغلاق بسبب كورونا، والحركات اليمينية المتطرفة والمناهضة للهجرة.
ونقل موقع /فويس أوف أمريكا/ الإخباري عن بيان للخارجية الأمريكية أن الوزير مارك روبيو سيغادر إلى ميونخ، اليوم /الخميس/ – كما سيقوم في وقت لاحق من هذا الأسبوع بزيارة الشرق الأوسط وسط جهود دبلوماسية مكثفة لإنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا، فضلا عن الجهود الرامية إلى متابعة الجهود الأمريكية في القضية الفلسطينية.
وقال روبيو، في مقابلة أن الرئيس ترامب أوضح أن الحرب في أوكرانيا يجب أن تنتهي .. وسيبدأ في وضع مسار واسع للمضي قدما، وهو يريد أن تنتهي هذه الحرب. سيكون من مصلحة الجميع أن تنتهي هذه الحرب”.
وأفادت مصادر أمريكية مطلعة بأن الاستعدادات تجري لإجراء محادثات بين روبيو ونظيريه من اليابان وكوريا الجنوبية تاكيشي إيوايا وتشو تاي يول على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن وسط مخاوف بشأن التحديات الأمنية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وأشار التقرير الإخباري إلى أنه في حال عقد الاجتماع كما هو متوقع،سيكون أول اجتماع ثلاثي لوزراء خارجية الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب .
وأكد روبيو أنه في حين يُعقد المؤتمر في أوروبا، فإن نطاقه يمتد إلى ما هو أبعد من الشؤون الأوروبية، حيث يتناول تحديات الأمن العالمية والمبادرات الدبلوماسية.
ومع اقتراب الحرب الروسيا على أوكرانيا من عامها الثالث، تسعى الولايات المتحدة إلى سبل دبلوماسية متعددة لتأمين اتفاق سلام.
وقال روبيو، إن الولايات المتحدة ستؤكد عزمها على إنهاء الحرب خلال اجتماعات مؤتمر ميونيخ للأمن. ومن المقرر أن يعقد نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي محادثات شخصية في ميونيخ، كما سيحضر المؤتمر المبعوث الأمريكي الخاص لأوكرانيا وروسيا كيث كيلوج ورئيس أركان أوكرانيا أندريه يرماك.
من جانبها .. قالت أوكرانيا إن وفدها سيعرض موقفها بشأن إنهاء الحرب ويحدد رؤيتها لتحقيق سلام دائم. وفي الوقت نفسه، تجري المفاوضات حيث تسعى أوكرانيا إلى الحصول على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة وأوروبا.
وأكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اعتزامه عقد عدد من الاجتماعات مع فريق الرئيس الأمريكي، وكذلك مع القادة الأوروبيين خلال مؤتمر ميونيخ، وفقا لموقع وكالة /انترفاكس أوكرانيا/.
وأضاف – في مقابلة مع صحيفة الجارديان-: أنه سيلتقي بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقب مؤتمر ميونيخ للأمن.
وقال “إذا لم يحدث أي خطأ..إذا ذهبت إلى هناك، فسأعقد اجتماعا مع نائب الرئيس الأمريكي فانس وأعتقد أنه سيكون هناك اجتماع مع الفريق بأكمله. كما خططت لعدد من الاجتماعات مع عشرين من أعضاء مجلس الشيوخ والنواب المهمين. ستكون هذه اجتماعات منفصلة ومختلفة. وهناك أيضا العديد من الاجتماعات مع القادة الأوروبيين”.
ووفقا لزيلينسكي سيزور ممثلو البيت الأبيض أيضا أوكرانيا قبل وبعد مؤتمر ميونيخ للأمن، مشيرا إلى أن الفرق تتفق على التواريخ وخطة للقاء مع ترامب في الولايات المتحدة، لكن لا يوجد موعد حتى الآن.
وذكر تقرير صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن نشر قوات حفظ السلام الأوروبية في أوكرانيا سوف يكون موضوعا رئيسيا للمناقشة في مؤتمر ميونيخ للأمن، وأشارت إلى أن احتمال التوصل إلى اتفاق سلام بين أوكرانيا وروسيا أثار مناقشات نشطة حول إرسال قوات أوروبية إلى كييف لمراقبة وقف إطلاق النار وردع أي حرب روسية محتمل. ومع ذلك، لا توجد مبادرات ملموسة حتى الآن، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتن سيوافق على مثل هذه الخطوة.
وتقول الصحيفة أنه من المؤكد أن هذا الموضوع سيكون محورا رئيسيا للمناقشة هذا الأسبوع في مؤتمر ميونيخ.
من جانبه .. ذكر موقع حلف الناتو، أن الأمين العام للحلف مارك روته سيشارك مؤتمر ميونيخ للأمن، برفقة نائبة الأمين العام رادميلا شيكيرينسكا. وفي 15 فبراير، سيشارك الأمين العام في حلقة نقاشية رفيعة المستوى في مؤتمر ميونيخ للأمن، مشيرا إلى أنه أثناء وجوده في ميونخ، سيعقد روته أيضا اجتماعات ثنائية مع زعماء عالميين آخرين وأعضاء في الكونجرس الأمريكي.
وأفاد تقرير لموقع /دويتشه فيله/ الألماني، بأن العلاقات الوثيقة تقليديا بين الولايات المتحدة وأوروبا هي التي حددت مؤتمر ميونيخ للأمن لعقود من الزمن. وعلى الرغم من بعض الاختلافات، فقد كان هناك دائما أساس متين وعمل الجميع بشكل جيد معا واحترموا بعضهم البعض. ولكن منذ تولى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه، انهار هذا اليقين. ولهذا السبب عمل المؤتمر أيضا كمؤشر على مدى جودة العلاقات عبر الأطلسي. والآن من المقرر أن يبدأ المؤتمر يوم الجمعة المقبل.
وحول ما وصفه بتوترات جديدة بين الولايات المتحدة وحلفائها، قال التقرير الألماني، إن رياحا مختلفة تهب الآن من الولايات المتحدة بعد الأسابيع القليلة الأولى من ولاية ترامب الثانية كرئيس و”أمريكا أولا” هو شعار ترامب الثابت، حتى لو كان ذلك على حساب حلفائه.
وأضاف أنه من المرجح أن تشكل هذه التوترات بعض المناقشات التي ستُعقد في قاعات المؤتمرات في فندق بايريشر هوف، حيث سيجتمع الساسة والقادة العسكريون والخبراء.
وفي تركيا ذكرت صحيفة “صباح التركية” أن تقرير ميونيخ للأمن 2025، الذي صدر قبل المؤتمر أشار إلى أن المزيد من الدول تنظر إلى تركيا كحليف، مما يسلط الضوء على المكانة المتزايدة للبلاد.
ويستند التقرير، الذي يحمل عنوان “التعددية القطبية”، إلى استطلاعات أجريت في ألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا والبرازيل واليابان وكندا والهند والصين وجنوب إفريقيا.
ويُظهر الاستطلاع ارتفاعا في وجهات النظر الإيجابية تجاه البلدان، وخاصة بالنسبة لكوريا الجنوبية وبولندا وبريطانيا وتركيا.
كما ارتفع معدل الأشخاص الذين ينظرون إلى تركيا كحليف، وليس “تهديدا”، في البلدان التي أجري فيها الاستطلاع، باستثناء فرنسا.
ويقول التقرير إنه على الرغم من أن تركيا لم تُعرف تقليديًا بأنها قوة عظمى، إلا أنها “بالتأكيد وسيط قوة في منطقتها وأحيانًا خارجها”.
وأكد أن إعادة تركيا العلاقات مع مصر بالكامل، جعلها تتحالف مرة أخرى مع حليف مهم في المنطقة.
وفي فنلندا أعلنت الرئاسة أن الرئيس ألكسندر ستوب سيشارك في النسخة الحادية والستين من مؤتمر ميونيخ الأمني السنوي وسيحضر العديد من المناقشات الجماعية والمائدة المستديرة.
وفيما يتعلق بالأمن السيبراني ذكر موقع /سيكيوريتي ويك/ المعني بالأمن السيبراني أنه عشية مؤتمر ميونخ الدولي للأمن حذرت مجموعة معنية بالتهديدات الاليكترونية أن النشاط الإجرامي السيبراني بدوافع مالية ينبغي التعامل معه باعتباره تهديدا للأمن القومي يتطلب تعاونا دوليا منسقا.
وتصنف الجرائم السيبرانية تقليديا إما باعتبارها جرائم سيبرانية بدوافع مالية أو اقتحامات سياسية متحيزة مدعومة من الدولة. وفي حين تحظى الهجمات السيبرانية المدعومة من الدولة غالبا باهتمام إعلامي أكبر، وربما المزيد من التدقيق الاستخباراتي، فإن الجرائم بدوافع مالية أكثر شيوعا.
وقالت “نعتقد أن التصدي لهذا التحدي يتطلب نهجا جديدا وأقوى يعترف بالتهديد الذي تشكله الجرائم الإلكترونية كأولوية للأمن القومي تتطلب التعاون الدولي. ولابد من بذل المزيد من الجهود ــ بل ويمكننا ذلك”.
ويأتي مؤتمر ميونخ هذا العام في ظل أزمات معقدة، وشد وجذب عبر طرفي الأطلسي، سواء فيما يتعلق بميزانية الدفاع، أو كيفية التعاطي مع روسيا والحرب في أوكرانيا، فضلا عن الأزمة المستمرة في الشرق الأوسط.
يملك مؤتمر ميونخ تاريخا كبيرا يمتد لأكثر من ستين عاما، حيث تأسس عام 1963 بواسطة الباحث الألماني إيوالد فون كلايست، ومر بعدة مراحل تحول خلالها من مؤتمر لقضايا الدفاع فقط، ليكون ملتقى للسياسيين والدبلوماسيين، والعمل الدولي متعدد الأطراف.
وحمل المؤتمر عدة أسماء منها اللقاء الدولي لعلوم الدفاع، والمؤتمر الدولي لعلوم الدفاع، قبل أن يحمل الاسم الحالي “مؤتمر ميونخ للأمن”.
ومنذ عام 2015، حضرت قضايا الشرق الأوسط بقوة على طاولة المؤتمر، حيث ناقش في ذلك العام إرهاب تنظيم داعش الإرهابي والبرنامج النووي الإيراني، وأزمة اللاجئين السوريين، والحرب في سوريا.
وفي 2016، كانت الأزمة السورية في بؤرة الاهتمام فضلا عن قضايا مكافحة الإرهاب وأزمة اللاجئين، وهي القضايا التي استمرت في مؤتمر 2017. وكانت الأزمة السورية حاضرة بقوة في مؤتمر 2018.
ورغم أهمية المؤتمر ومحورية اجتماعاته، طالته الانتقادات في عام 2018، لأنه لم يقدم إسهاما حقيقيا في حل القضايا الدولية الشائكة، إلى حد الذي دفع رئيسه آنذاك، فولفغانغ إيشينغر، إلى انتقاد دوره، في خطابه الختامي، حيث قال “على مدار 48 ساعة، استمعنا للأخطاء التي تحدث في العالم، والأخطار التي تواجهنا. وماذا يجب أن نتجنبه مستقبلا”.
وتابع في محاولة لتقييم المؤتمر “لكننا لم نستمع بالقدر الكافي لخطابات تضع خطوات محددة يمكن أن تؤدي لتحسن في وجهات النظر القاتمة للعالم في الوقت الراهن وحل مشكلاته”، في إشارة إلى أن المؤتمر لم يقدم حلولا للمشكلات التي يعاني منها العالم، بالشكل الكافي.
وفي 2021، عقدت إدارة المؤتمر “إصدار خاص” عبر الفيديو، شارك فيه سياسيون رفيعو المستوى، خاصة الرئيس الأمريكي جو بايدن، نظرا لتعقد الوضع الصحي في ذلك الوضع جراء تفشي جائحة كورونا.
وفي العام الذي تلاه، جرى المؤتمر عبر “مشاركة هجينة”، شملت فعاليات مقيدة على الأرض وتفاعلا واسعا عبر الفيديو، خوفا من فيروس “كورونا”، بالتزامن مع التوتر المتزايد بين الغرب وموسكو في ذلك الوقت، والذي انتهى بهجوم الأخيرة على كييف في الـ24 من الشهر نفسه.
بعدها، عاد المؤتمر للانعقاد بشكل طبيعي ودون قيود في عامي ٢٠٢٣ و2024.
وتمويل مؤتمر ميونخ الأمني يأتي من قبل الحكومة الاتحادية وحكومة ولاية بافاريا والجهات الراعية من القطاع الخاص مثل شركات باير وأمازون وميتا ومايكروسوفت.
يقام المؤتمر سنويا في مدينة ميونخ وهي عاصمة ولاية بافاريا الألمانية، والتي تقع على ضفاف نهر إيسار قرب الحدود مع النمسا، أكبر المدن الألمانية مساحة وسكانا، وأهم مراكزها الصناعية والسياحية.
أما مقر الفعاليات فيحتضنه فندق “بيرانشه هوف” الفاخر، وسط مدينة ميونخ، والذي يضم 340 غرفة و65 جناحا فندقيا و40 قاعة للمؤتمرات.
لم يخل مؤتمر ميونخ للأمن من لحظات التوتر والمشادات الكلامية التي شهدتها بعض جلساته على مدار انعقاده، بينها:
خطاب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2007، تخلله انتقاد لاذع للغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية.
قطعة معدنية عرضها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نسخة 2018، وقال إنها جزء من طائرة إيرانية بدون طيار أسقطتها بلاده، ليرد عليه وزير الخارجية الإيراني وقتها، محمد جواد ظريف، بأن كلامه عبارة عن “سيرك كارتوني”
المصدر: وكالات

