قال تقرير حديث للجنة الاستخبارات والأمن في البرلمان البريطاني إن إيران تُشكّل أحد أخطر التهديدات الأمنية للمملكة المتحدة، إلى جانب روسيا والصين.
واستند التقرير إلى تحقيقات امتدت عامين كاملين، وشملت لقاءات مع خبراء في أجهزة الاستخبارات، واطلاعاً على وثائق سرّية، كاشفاً استمرار طهران في محاولات اغتيال معارضين إيرانيين مقيمين في بريطانيا، فضلاً عن تصاعد وتيرة الهجمات السيبرانية ضد شركات بريطانية.
وسلط التقرير الضوء على مواصلة الحرس الثوري الإيراني، رغم الضربات القاسية التي تلقاها أخيراً من إسرائيل، أنشطته التخريبية داخل الأراضي البريطانية، باستهداف المعارضين الإيرانيين في بريطانيا، فضلاً عن التلويح بشن هجمات انتقامية في جميع أنحاء أوروبا. ويتزامن ذلك مع تصاعد حدة التوتر في المنطقة، إثر المواجهات العسكرية بين إيران وإسرائيل، والغارات الأمريكية على ثلاث منشآت نووية إيرانية.
وأبدت الحكومة البريطانية قلقاً متزايداً من هذه التهديدات، إذ فرضت في يناير 2024 عقوبات على عددٍ من المسؤولين الإيرانيين المتهمين بالضلوع في تهديدات ضد صحافيين.
وفي خطابٍ علني نادر، كشف كين ماكالوم، المدير العام لجهاز الاستخبارات الداخلية، أن الأجهزة الأمنية أحبطت 20 مخططاً إيرانياً منذ بداية 2022، واصفاً المخططات بحملة غير مسبوقة من حيث سرعة تنفيذها ونطاقها. وأوضح أن إيران، مثل روسيا، تعول في عملياتها داخل بريطانيا على شبكات إجرامية تشمل مهربين دوليين ومجرمين محليين.
واطلع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر شخصياً على التقرير قبل صدوره، نظراً لما يشتمل عليه من معلومات شديدة الحساسية تمسّ الأمن القومي للمملكة المتحدة. وللجنة الاستخبارات والأمن بطبيعةٍ خاصة تميّزها عن غيرها من اللجان البرلمانية، إذ يُمنَح أعضاؤها التسع صلاحيات واسعة تجيز لهم الاطلاع على مواد استخباراتية سرية، ما يُمكِّنهم من أداء دور رقابي دقيق على أداء وكالات الأمن والاستخبارات. وتعْقد اجتماعات اللجنة بعيداً عن الإعلام، خلف أبواب مغلقة، ويستغرق إعداد تقاريرها وقتاً طويلاً، نظراً لمقتضيات التدقيق الشامل وتعاونها المباشر مع كبار المسؤولين في أجهزة الاستخبارات البريطانية.
أولي التقرير اهتماماً خاصاً بدور الحرس الثوري الإيراني ونفوذه المتنامي، مستعرضاً تحوُّله من جهاز أُسس في 1979 لحماية مبادئ الثورة الإيرانية، إلى قوة شاملة ذات تأثير عسكري وسياسي واقتصادي كبير داخل إيران وخارجها.
وأوضح التقرير كيف بات الحرس يشكل مركزَ ثِقل في منظومة الحكم الإيرانية، إذ لم يكتفِ بمهامه الدفاعية، بل مدَّ أنشطته إلى الاستخبارات، والأمن والاقتصاد، والدبلوماسية غير الرسمية، حتى أمسى أداةً رئيسة في تنفيذ سياسات طهران الخارجية، بما في ذلك التدخل في شؤون دول أخرى.
تتصاعد الدعوات داخل الأوساط السياسية البريطانية لإدراج الحرس الثوري الإيراني على لائحة المنظمات الإرهابية، في خطوةٍ يعتبرها كثيرون ضرورية للتعامل بجديةٍ مع التهديدات المتزايدة التي يمثلها. ويؤكد مؤيدو هذا التوجه أن تصنيفه تنظيماً إرهابياً سيدلل بوضوحٍ على طبيعة أنشطته العدائية داخل المملكة المتحدة وخارجها، بما في ذلك تورطه في محاولات اغتيال، وهجمات سيبرانية ودعم جماعات مسلّحة في المنطقة. ويرى هؤلاء أن هذا التصنيف سيُمهّد الطريق لاتخاذ تدابير أكثر صرامة ضد عناصره وشبكاته المالية.
لكن هذا الطرح لا يحظى بإجماع حكومي في بريطانيا، إذ يُعبر بعض المسؤولين عن قلقهم من أن يؤدي الإدراج على لائحة الإرهاب إلى تعطيل قنوات الحوار والتواصل مع صُنّاع القرار في طهران، خاصةً أن الكثير من الشخصيات السياسية والعسكرية النافِذة في إيران ترتبط ارتباطاً مباشراً بالحرس.
ويرى هؤلاء أن الحفاظ على قنوات التفاوض، مهما كانت محدودة، يظل ضرورياً لإدارة التوترات وتفادي التصعيد في لحظات الأزمات. ومن ثم، يبقى القرار محل جدل بين الذن يفضّلون المواجهة المباشرة، والذين يراهنون على الدبلوماسية الحذرة.
وأخيراً، سعى التقرير إلى تنبيه الوزراء البريطانيين إلى خطورة التهديد الإيراني، مؤكداً أنه ليس مؤقتاً ولا مُنحسراً، بل يُمثّل حملة منهجية ومتواصلة لبسط النفوذ، وقمع المعارضين ومعاقبة الأصوات الناقدة، حتى داخل بريطانيا. وفي ظل تنامي الدور الإقليمي لطهران، دعا التقرير إلى مراجعة شاملة للأدوات الأمنية والدبلوماسية البريطانية، لضمان جاهزيتها في مواجهة هذا التهديد المباشر والمستمر.
المصدر: وكالات

