ترامب يهدد أفغانستان إذا لم تستعد أمريكا السيطرة على قاعدة باجرام .. وطالبان تعتبر الخطوة “مستحيلة”
كرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب رغبته في استعادة السيطرة على قاعدة باجرام الجوية في أفغانستان التي خرجت قوات بلاده منها – قبل أكثر من 4 سنوات – في مشهد فوضوي لا يزال حاضرا في الذاكرة.
ويواصل ترامب الإعلان عن هذه الرغبة الملحة لديه بين الحين والآخر آخرها أمس السبت حيث قرن مطالبته باستعادة قاعدة باجرام بتهديد صريح من حدوث “أمور سيئة” إذا لم تتحقق رغبته في عودة هذه القاعدة إلى “الولايات المتحدة التي أنشأتها” وذلك بعد أن أبدى ندمه صراحة عن “تخلى” بلاده عنها.
وعلى الرغم من أن الانسحاب من أفغانستان بدأ في ولايته الأولى، فإن ترامب لم يتوقف عن انتقاد طريقة انسحاب إدارة سلفه جو بايدن عام 2021، وقال إن الولايات المتحدة كانت ستغادر أفغانستان لكنها ستحتفظ بقاعدة باجرام.
ويرى ترامب أن بلاده أعطت حركة طالبان الحاكمة في أفغانستان قاعدة باغرام “مجانًا”. وبلغة الصفقات يقول الرئيس الأميركي “نحاول استعادتها لأنهم بحاجة لأشياء منا” ملمحا إلى أن واشنطن تملك أوراق ضغط على الحكومة الأفغانية.
كما يزعم ترامب أن “قاعدة باجرام أصبحت الآن في أيدي الصينيين” معتبرا ذلك “خطأ إستراتيجيا فادحا” من جانب بايدن.
ومنذ الانسحاب من أفغانستان، حذر مسؤولون أمريكيون من “خطر وقوع باجرام في أيدي العدو”. واعترف الجنرال ماكنزي، القائد السابق للقيادة المركزية الأميركية، في تقرير قدّمه إلى الكونجرس بأن “مغادرة باجرام دون اتفاق كان أكبر خطأ ارتكبناه، وستظل هذه القاعدة رصيدًا إستراتيجيًا لعقود”.
تقول “واشنطن بوست” بافتتاحيتها اليوم إن قاعدة باجرام ذات أهمية إستراتيجية نظرًا لقربها من الحدود مع الصين ومن ميدان التجارب النووية في لوب نور، الواقع في منطقة نائية بمقاطعة تركستان الشرقية “شينجيانغ”.
وحسب الصحيفة الأميركية كان يُعتقد منذ فترة طويلة أن ميدان التجارب مهجور، ولكن هناك تقارير وردت عن تزايد أنشطة البناء العسكرية الصينية في المنطقة.
كما ترى بافتتاحيتها أن عودة قوة عسكرية أميركية صغيرة إلى باجرام ستكون بعيدة كل البعد عن الوجود العسكري القوي الذي كان قائمًا سابقًا. لكنها ستمنح الولايات المتحدة موطئ قدم في منطقة ذات أهمية إستراتيجية في ظل استمرار المنافسة مع الصين.
وتقول إن الوجود العسكري الأميركي في باجرام “سيسمح للولايات المتحدة أيضا بشن عمليات مكافحة الإرهاب في منطقة مضطربة ضد تنظيم داعش فرع خراسان الذي يخوض أيضًا حربًا مع طالبان، وقد بسط نفوذه في أوروبا”.
آلت قاعدة باغرام الجوية، التي تعد إرثا للوجود العسكري الأميركي في أفغانستان الذي استمر 20 عاماً، إلى أيدي أفغانستان بقيادة طالبان والتي تعبر بفخر عن السيطرة الكاملة على هذه القاعدة، معتبرةً إياها ورقة رابحة في معادلة الأمن الإقليمي.
وبعد سقوط كابل في 15 أغسطس/آب 2021، أعلنت طالبان سيطرتها على قاعدة باغرام دون أي صراع. وحينها أعلن المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد “باغرام اليوم رمزٌ لاستقلال أفغانستان، ولن نسلمها لأي قوة”.
وكانت القاعدة فترة الاحتلال الأميركي أكبر مركز لوجستي لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في المنطقة باستثمارات أميركية بلغت مليارات الدولارات على مدى عقدين من الزمان.
وهي تغطي مساحة تقارب 5 آلاف هكتار، وتقع في قلب آسيا الوسطى، مع إمكانية وصول مباشرة إلى حدود الصين وإيران وروسيا، وهو ما جعل الولايات المتحدة تتطلع إليها باستمرار حتى بعد انسحابها.
وكانت قاعدة باجرام الجوية تضم مدرجًا بطول 3600 متر مُجهزًا بمعايير مقاومة للصدمات، مما يسمح بهبوط وإقلاع 130 طائرة عسكرية يوميًا.
وخلال فترة وجود حلف الناتو لم تكن القاعدة مقرًا للعمليات القتالية فحسب، بل كانت أيضًا موقعًا للقوات الخاصة الأميركية، ووحدات وكالة المخابرات المركزية، ومعدات استخباراتية وأقمار صناعية متطورة للغاية. وتُظهر صور الأقمار الصناعية لعام 2019 أن القاعدة كانت تضم أكثر من 110 مبان عملياتية و20 مستودعًا للأسلحة مجهزة تجهيزًا كاملًا.
ووفقًا لتقرير لصحيفة نيويورك تايمز في يوليو 2021، لعبت قاعدة باجرام دورًا محوريًا في ضبط ومراقبة تحركات القوات الإيرانية والجماعات المسلحة التابعة لروسيا، بالإضافة إلى رصد الأنشطة الأمنية في إقليم أويجورستان الصيني.
كما استخدم الأميركيون هذه القاعدة لتنفيذ برامج سرية للغاية ضد تنظيمي القاعدة وداعش . وكشفت صحيفة واشنطن بوست في تقرير لها أن أكثر من 350 مهمة استخباراتية انطلقت من باجرام عام 2020.
وأكثر ما تريده الحكومة الأفغانية بقيادة طالبان -من الولايات المتحدة- هو كسر العزلة والاعتراف بها، حيث لا تزال الحكومة السابقة تشغل مقعد أفغانستان في الأمم المتحدة.
كما ترغب كابول في الوصول إلى 7 مليارات دولار من الأصول المجمدة في الولايات المتحدة لتعزيز اقتصاد البلاد المتعثر.
ورغم ذلك لا يبدو المسؤولون الحكوميون في أفغانستان متحمسين لعودة القوات الأميركية إلى باجرام. وقال ذاكر جلالي المسؤول كبير بالخارجية الأفغانية “لم يقبل الأفغان قط وجودًا عسكريًا أجنبيًا على أرضهم عبر التاريخ” لكن هناك مجالا للتفاوض.
كما أضاف جلالي بوضوح “أفغانستان وأميركا بحاجة إلى انخراط في علاقات اقتصادية وسياسية قائمة على الاحترام الثنائي والمصالح المشتركة، دون أن تحتفظ الولايات المتحدة بأي وجود عسكري في أي جزء من أفغانستان”.
والواضح أن خبرة 20 سنة من الاحتلال والمواجهة مع الأميركيين -يضاف إليها خبرة 4 سنوات من التفاوض- أكسبت حركة طالبان قدرات لفهم العقلية الأميركية وطرق التفاوض معها، والبراجماتية تجمع الجانبين وهذا ما سيحدد مصير رغبة ترامب بقاعدة باغرام التي يجمعه الغرام بها مع كثيرين من الجوار.
المصدر : وكالات

