منذ ظهورها سنة 1957 ، وحتى أصبحت من مقومات الحياة على الأرض : لم تمر الأقمار الصناعية بمثل هذا الانقلاب الحقيقي الذي يلوح في أفق الصناعات الفضائية ، متمثلاً في تكنولوجيا “النانوسات” أو “الأقمار الصناعية الصغيرة جداً” .
على الرغم من الانتشار الهائل المتنامي للأقمار الصناعية والتنوع المتواصل لاستعمالاتها : فإن تصنيع الأقمار وإطلاقها مازال من الأمور عالية التكلفة ، وقد كان يوم 19 نوفمبر الماضي يوماً تاريخياً في تطور الفضاء : ففي قاعدة جوية في ولاية “فيرجينيا” الأمريكية أطلقت شركة تجارية صاروخاً فضائياً يحمل 29 قمراً صناعياً دفعة واحدة لتتخذ لنفسها مدارات منخفضة حول الأرض ، وبعد 13 ساعة فقط : أطلق المشروع الفضائي الروسي “كوزموتراس” 32 قمراً مشابهاً ، ويوم 14 يناير الماضي : أطلقت الشركة الأمريكية 33 قمراً مماثلاً .
إنها أقمار صغيرة جداً ، اسمها العام بالإنجليزية “نانوسات” ، لكن الأقمار التي أطلقت لها تصميم – أو طراز – اسمه “كوب سات” ، طوله 15 سم ولايتجاوز وزنه 103 كج .
وتبعاً للتقرير التكنولوجي ربع السنوي “تكنولوجي كوارترلي” : فإن حتى هذا الوزن سوف ينخفض إلى 101 كج قريباً ، ويتوقع التقرير الذي تصدره مجلة “ذي إيكونوميست” أن تشهد الأعوام الخمسة المقبلة وضع نحو 1000 قمر “نانوسات” في مدارات حول الأرض : فأي ثورة هذه ؟
هناك صناعة جديدة تتشكل : هي صناعة “النانوسات” .
مصادر الصناعات الفضائية الروسية تتوقع أن تهبط تكلفة “النانوسات” التي تطلقها إلى 30 ألف دولار فقط قريباً ، وهناك عدة شركات أمريكية تدخل الآن هذه السوق التكنولوجية الانقلابية الجديدة .. متنافسة على خفض التكلفة ، كما بدأ وجود بريطاني واضح في هذا المضمار .
يستتبع “النانوسات” أو “القمر النانو” وجود أداة إطلاق جديدة تلائمه وتتطور بتطوره : وبالتالي سيكون هناك جيل جديد من الصواريخ الفضائية ، هي “النانوروكيت” أو “الصاروخ النانو” .
حين بدا انتشار أجهزة الكومبيوتر في خمسينات القرن الماضي وستيناته : كانت هذه الأجهزة كبيرة الحجم جداً ، ثم أخذت أحجامها تتقلص بسرعة وباستمرار : حتى أصبحت الأجهزة الشخصية بالغة الصغر تقوم الآن بما كانت تقوم به تلك الأجهزة القديمة .. التي أصبحت لاتوجد سوى في المتاحف ، والذي يحدث حالياً للأقمار الصناعية يماثل ماحدث للكمبيوتر : ذلك أن “التصغير” هو المسار الطبيعي للتكنولوجيا ، وهو “المنطق” الذي يحكم تطورها : ويترتب على “التصغير” انخفاض مستمر في الأسعار وتوفر النتج التكنولوجي ، فمنذ نحو 50 عاماً فقط : كان لايمكن تصور أن المواطن العادي يمتلك كومبيوتر .
النجاحات التي يحرزها “النانوسات” الآن تركز على نقل البيانات والتصوير الفضائي ، والمرجح أن يكون الانعكاس القوي القريب للأقمار الجديدة على الاتصالات بالمحمول : حيث سيكون من الميسر ربط المحمول “بالنانوسات” .
أما التصوير الفضائي بهذه الأقمار : فقد يجعلها وسيلة متاحة لأغراض التجسس ، مثلما حدث مع ظهور الطائرات الآلية الصغيرة التي تقوم بالتصوير الجوي .
بديهي أن وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” ليست ببعيدة عن ثورة “النانوسات” بل هي في قلبها : وتركز الوكالة على التعاون مع الشركات الخاصة في تطوير الأقمار الجديدة ، ومن طموحات “ناسا” في هذا الشأن : إرسال أقمار “نانوسات” لتتخذ مدارات حول القمر .
إن الثورة الجديدة تؤدي إلى أن يقوم قمر صناعي وزنه كيلو جرام واحد بمهام يقوم بها قمر وزنه طن كامل .
المصدر : مجدي غنيم : المحرر العلمي لـ “قناة النيل”

