قال تقرير لموقع مجلة “نيوزويك” إن التحركات العسكرية الأمريكية الأخيرة تجاه فنزويلا، ولا سيما إعلان الرئيس دونالد ترامب إرسال ما وصفه بأكبر أسطول بحري في تاريخ أمريكا الجنوبية، تثير مقارنات مقلقة مع المقدمات التي سبقت غزو العراق عام 2003، حين جرى توظيف مفهوم أسلحة الدمار الشامل لتبرير استخدام القوة خارج إطار الشرعية الدولية.
وأضاف التقرير أن المفارقة تكمن في أن ترامب نفسه أمضى سنوات يتهم إدارة جورج بوش الابن بتضليل الأمريكيين بشأن أسلحة الدمار الشامل والعلاقة بالإرهاب، قبل أن يجد نفسه اليوم يعيد إنتاج منطق مشابه، عبر تصنيف مادة الفنتانيل كمكافئ لأسلحة الدمار الشامل، وربط هذا التصنيف بتحرك قسري في البحر الكاريبي.
أوضح التقرير أن الإدارة الأمريكية تبرّر هذا التصعيد بوصفه رداً مباشراً على أزمة الفنتانيل التي تحصد أرواح الأمريكيين، وعلى دور ما تصفه بأنظمة نفطية ممولة للجريمة المنظمة. ويجادل مؤيدو الرئيس بأن تشديد الخناق على صادرات النفط الفنزويلية، بما في ذلك مصادرة ناقلات، يمثل وسيلة مشروعة للضغط على نظام نيكولاس مادورو.
وأضاف التقرير أن بعض الأصوات المحافظة، وعلى رأسها هيئة تحرير صحيفة “وول ستريت جورنال”، رحبت بهذه الخطوات واعتبرتها ضغطاً طال انتظاره لإزاحة مادورو من السلطة، معتبرة أن العقوبات السابقة افتقرت إلى أدوات ردع حقيقية.
في المقابل، أشار التقرير إلى أن موجة اعتراضات واسعة برزت من اليسار والوسط وحتى من التيار الليبرالي المحافظ، محذرة من أن ما يجري يتجاوز إطار العقوبات الاقتصادية. فقد وصفت صحيفة “واشنطن بوست” قرار تصنيف الفنتانيل كسلاح دمار شامل بأنه “مسرحية في سياسات المخدرات”، تنقل قضية صحية إلى منطق الحرب.
وتابع التقرير أن خبراء قانونيين ذكّروا بأن الحصار البحري، وفق القانون الدولي العرفي، يُعد عملاً حربياً، وأن إرسال قطع بحرية لاعتراض ناقلات نفط من دون تفويض أممي يضع الولايات المتحدة في منطقة قانونية رمادية أقرب إلى النزاع المسلح منها إلى إنفاذ العقوبات.
أوضح التقرير أن هذا القلق لم يقتصر على الإعلام، بل امتد إلى الكونغرس الأمريكي. فقد حذّر السيناتور الجمهوري راند بول من أن تفجير القوارب لن يوقف المخدرات، لكنه قد يُغرق ترامب سياسياً، في حين أعلن عدد من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين نيتهم الدفع بتشريع يستند إلى قانون صلاحيات الحرب، لمنع انزلاق الولايات المتحدة إلى مواجهة عسكرية مع فنزويلا من دون تفويض تشريعي.
وأضاف التقرير أن الأدبيات القانونية الدولية، بدءاً من إعلان باريس عام 1856 وصولاً إلى دليل سان ريمو لعام 1994، تُجمع على أن الحصار البحري هو أداة من أدوات الحرب البحرية، ويتطلب إعلاناً رسمياً وإخطاراً وضمانات لحماية المدنيين والمساعدات الإنسانية.
وأشار معدّو التقرير إلى أن ما يزيد الإشكال تعقيداً هو توقيع ترامب، قبل يوم واحد من إعلان التحرك البحري، أمراً تنفيذياً يصنّف الفنتانيل كسلاح دمار شامل، ما يفتح الباب أمام إشراك وزارة الدفاع في مكافحة التهريب، ويحوّل أزمة صحية داخلية إلى ملف أمن قومي وعسكري.
تابع التقرير أن الوقائع الإحصائية تُضعف مبررات التصعيد. فوفق بيانات مراكز السيطرة على الأمراض، انخفضت وفيات الجرعات الزائدة في الولايات المتحدة عام 2024 بنسبة تقارب 27%، وهو أكبر تراجع مسجّل على الإطلاق، بفضل توسيع استخدام “نالوكْسون” (دواء مضاد للأفيون) وبرامج العلاج والفحص.
وأضاف التقرير أن سلاسل توريد الفنتانيل لا تمر أساساً عبر فنزويلا، بل عبر المكسيك، باستخدام مواد أولية مصدرها الصين، وهو ما تؤكده تقارير إدارة مكافحة المخدرات ووزارة الخارجية الأمريكية نفسها، التي لا تصنّف فنزويلا مركزاً رئيساً لإنتاج أو تهريب الفنتانيل إلى الولايات المتحدة.
وأوضح التقرير أن ما يمنح التحرك الأمريكي زخماً عملياً هو استهداف “أسطول الظل” الذي ينقل النفط الفنزويلي إلى الصين. فهذا المسار، وفق التحليل، يشكّل أداة ضغط فعالة على مادورو إذا ظل محدوداً زمنياً ونطاقاً، لكنه يصبح إشكالياً إذا اتخذ طابع حصار شامل.
وعاد التقرير ليقارن بين الوضع الحالي وما جرى قبيل غزو العراق، مشيراً إلى أن توسيع تعريف التهديد واستخدام مصطلحات كبرى مثل أسلحة الدمار الشامل كان آنذاك وسيلة لتسريع القرار السياسي. واليوم، ورغم اختلاف السياق، يرى التقرير أن إعادة توظيف هذا المنطق قد تقود إلى نتائج مشابهة من حيث سوء التقدير والانزلاق غير المحسوب.
وأكد التقرير أن التجربة الأمريكية الحديثة تُظهر أن أكثر الأدوات فاعلية في مواجهة أزمة الفنتانيل كانت أدوات صحية واجتماعية: العلاج، والوقاية، والضبط الأمني الموجّه ضد المنتجين الحقيقيين، لا استعراض القوة البحرية.
وخلص تقرير “نيوزويك” إلى أن التحرك الأمريكي تجاه فنزويلا يبدو أقل شبهاً باستراتيجية متكاملة، وأكثر قرباً من استعادة منطق قديم ثبتت كلفته الباهظة. فبينما تتراجع وفيات الفنتانيل، يتصاعد خطاب الحرب، في مشهد يعيد إلى الأذهان دروساً لم تبرأ منها الذاكرة الأمريكية بعد.
المصدر : وكالات

