تحلّ اليوم الجمعة ذكرى رحيل هدى شعراوي، إحدى أهم الشخصيات النسائية في التاريخ المصري والعربي، والمرأة التي لم ينسها التاريخ باعتبارها أول من نادت بحرية المرأة المصرية، وأبرز الناشطات في مجال حقوق المرأة. وقد لُقّبت بـ”نصيرة المرأة”، وكانت أول رئيسة للاتحاد النسائي المصري، كما تُعد أول من طرح فكرة إنشاء دار لحضانة الأطفال وأسست بالفعل جمعية لرعاية الطفل عام 1907.
ووُلدت هدى شعراوي في 23 يونيو عام 1879 بمحافظة المنيا، تحت اسم نور الهدى محمد سلطان الشعراوي ، لأسرة تنتمي إلى الطبقة العليا؛ فوالدها محمد سلطان باشا شغل منصب رئيس أول مجلس نواب في عهد الخديوي توفيق، بينما جاءت والدتها( إقبال هانم) ذات الأصول الشركسية من القوقاز إلى مصر لتقيم مع عمها.
وانتقلت هدى في طفولتها إلى القاهرة حيث نشأت مع شقيقها عمر، وتلقت تعليمًا منزليًا مكثفًا شمل دراسة العربية والتركية والفرنسية، إلى جانب تعلم الخط والموسيقى، وتمكنت من حفظ القرآن الكريم وهي في التاسعة من عمرها، وهو إنجاز نادر لفتيات تلك الفترة.
كان زواجها المبكر من علي باشا شعراوي نقطة تحول كبيرة في حياتها؛ إذ رافقته في رحلة علاجية إلى أوروبا، حيث شاهدت بنفسها المكانة الرفيعة التي تتمتع بها المرأة الغربية، ومشاركتها الواسعة في الحياة العامة. هذه التجربة تركت في نفسها أثرًا عميقًا، وجعلتها تعيد النظر في وضع المرأة المصرية، خاصة بعد لقائها برائدات الحركات النسوية في فرنسا وإنجلترا، فعادت إلى مصر تحمل وعيًا جديدًا وإصرارًا على التغيير.
لم تكن هدى شعراوي بعيدة عن الحركة الوطنية، حيث لعب زوجها علي باشا شعراوي دورًا محوريًا في ثورة 1919 إلى جانب سعد زغلول.
ومن هنا دخلت قلب العمل السياسي وأسست لجنة الوفد المركزية للسيدات، التي تولّت حشد النساء للمشاركة في التظاهرات والاعتصامات.
وشهد يوم 16 مارس 1919 بداية كفاحها السياسي، حين قادت مظاهرة نسائية ضمت نحو ثلاثمائة امرأة مطالبات بالإفراج عن سعد زغلول ورفاقه، في مواجهة مباشرة مع القوات البريطانية المسلحة.
وعلى الصعيد الاجتماعي، أسهمت هدى شعراوي في عدد كبير من المبادرات؛ إذ كانت من أوائل المشاركات في تأسيس اتحاد المرأة المصرية المتعلمة عام 1914، كما أطلقت في أبريل من العام نفسه جمعية الرقي الأدبي للسيدات. وساهمت عام 1909 فى إنشاء مبرة محمد علي لرعاية أطفال المرضى.
وفي مجال حقوق المرأة، تعد هدى شعراوي أول ناشطة تعمل بوعي وتنظيم على قضايا المرأة، وفي عام 1923 أسست الاتحاد النسائي المصري الذي تولت رئاسته حتى عام 1947، وركز الاتحاد على الدفاع عن حقوق المرأة وإصلاح القوانين المنظمة للزواج والطلاق والحضانة، بما يضمن حرية المرأة وكرامتها. كما كانت عضوًا مؤسسًا في الاتحاد النسائي العربي، وترأسته عام 1935، وفي العام نفسه أصبحت نائبة لرئيس اتحاد المرأة العالمي. وشاركت في عدد من المؤتمرات الدولية، أبرزها مؤتمر باريس 1926 ومؤتمرا أمستردام وبرلين عام 1927.
وفي عام 1938 نظمت مؤتمرًا نسائيًا للدفاع عن فلسطين، ودعت إلى تكاتف الجهود النسائية لجمع الملابس والتطوع في التمريض والإسعاف. وعندما صدر قرار تقسيم فلسطين في 29 نوفمبر 1947، أرسلت خطابًا شديد اللهجة إلى الأمم المتحدة احتجاجًا على القرار.
وامتد اهتمام هدى شعراوي إلى المجال الثقافي والفني؛ حيث أصدرت عام 1925 مجلة «المصرية» باللغتين العربية والفرنسية لتعريف العالم بأحوال المرأة المصرية وتطورها، وكانت المجلة من أرقى الإصدارات النسائية في ذلك الوقت. كما ساهمت في إنشاء مسرح ورعاية الفنانين، وأسست جماعة «أصدقاء مختار» لتخليد أعمال المثال محمود مختار، وقدّمت جائزة مالية وميدالية سنوية تُمنح لأفضل نحات مصري.
ولم تغفل هدى الجانب الاقتصادي، حيث ساعدت الاقتصادي الكبير طلعت حرب عام 1930 في جمع رأس المال اللازم لإنشاء بنك مصر، أول بنك وطني مصري، واستطاعت بفضل علاقاتها الواسعة تحفيز رجال الأعمال من الطبقة العليا على المساهمة، إضافة إلى تقديمها تبرعًا كبيرًا من مالها الخاص.
وفى 12 ديسمبر 1947، رحلت هدى شعراوي عن عالمنا، وتبقى ذكرى رحيلها شاهدًا على دور امرأة غيّرت مسار تاريخ المرأة المصرية، وتركت إرثًا فكريًا ونضاليًا ما زال يلهم الأجيال. وبرحيلها ظل تأثيرها حاضرًا في كل خطوة تخطوها المرأة نحو مزيد من الحرية والمساواة.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)

