يبدو أن الحرب في أوكرانيا لم تكن كما بدأت قبل 3 سنوات، خاصةً أن خطوط النار التي كانت تُرسم بالمدفعية الثقيلة على طول الجبهات، باتت، اليوم، تتحرك على إيقاع جديد، تسيره أسراب من المسيرات ومواكب من الدراجات النارية.
ومع كل جولة قتالية، يظهر أن موسكو لم تعد تقاتل فقط بما لديها من قوة نارية، بل بما تبتكره من أدوات ضغط غير تقليدية، دفعت كييف اضطرارياً إلى سباق دفاعي مفتوح لا تعرف نهايته.
خلال الأشهر الأخيرة، سجلت الجبهات الشرقية ــ خاصة في بوكروفسك وباخموت ــ تحولاً لافتاً في أسلوب القتال الروسي، خاصة بعد انتقالها إلى نمط جديد يقوم على مجموعات صغيرة تتحرك بخفة، مستخدمة مركبات مدنية، مثل الدراجات النارية، في عمليات التقدم السريع.
وترافق ذلك مع تصاعد كبير في استخدام المسيّرات القتالية والاستطلاعية، التي باتت تحدد مسار المعارك، وتفرض على الطرفين إعادة رسم خطوط التماس كل يوم.
وأظهر مقطع فيديو نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي ملامح هذا التحول، حيث ظهر جنود روس يخرجون من ضباب كثيف على دراجات بخارية، وآخرون على شاحنات متهالكة، باتجاه بوكروفسك، في مشهد يعكس تكتيكات هجومية مرنة تتجاوز الشكل التقليدي للعمليات العسكرية.
وفي الوقت نفسه تبدو الجبهات عند أقصى درجات الاشتعال، تبدو أيضاً خريطة الحرب مقبلة على مزيد من التغير، مع سباق تكنولوجي يزداد حدة وابتكارات قتالية تعيد صياغة قواعد الاشتباك يوماً بعد يوم.
وفي هذا الإطار، قال الخبير في الشؤون الأوكرانية والمحلل السياسي محمد العروقي، إن التكتيكات الهجومية الروسية على أوكرانيا شهدت تحولاً واسعاً منذ اندلاع الحرب، موضحاً أن البداية اعتمدت على صواريخ وُصفت حينها بأنها «قديمة» و«سوفييتية»، قبل أن تنتقل موسكو إلى مرحلة أكثر تقدماً عبر الاستخدام المكثّف للطائرات المسيّرة.
وأضاف العروقي في حديث لـ«إرم نيوز» أن أوكرانيا من جانبها طوّرت قدراتها الدفاعية والهجومية بالتوازي، ما جعل مشهد القتال أكثر تعقيداً وتغيّراً.
وأوضح أن نحو 48% من السلاح المستخدم، حالياً، في الدفاع الأوكراني هو إنتاج محلي، فيما تعتمد كييف في النسبة المتبقية على الدعمين الأمريكي والأوروبي.
وأشار إلى أن روسيا تستخدم، اليوم، نمط من الهجمات عالي التقنية، ما يتسبب بأضرار كبيرة للبنى التحتية الأوكرانية، الأمر الذي يدفع كييف إلى سباق دفاعي جديد يرتكز على تصنيع منظومات دفاعية متقدمة أبرزها المسيرات الدفاعية في ظل نقص بعض الصواريخ، مثل النسخ المطوّرة من صواريخ نبتون.
ولفت إلى أن كييف باتت تعتمد أيضاً على اتفاقيات مع دول غربية لتصنيع أجزاء من المسيّرات والصواريخ داخل أراضيها، وفي نفس الوقت تستفيد روسيا من الخبرات الصينية والكورية والإيرانية لتطوير قدراتها الهجومية.
ويرى العروقي أن استمرار الحرب لفترة أطول سيقود إلى ظهور أنواع جديدة من الأسلحة لدى الطرفين، إلى جانب تطوير كييف لأساليب دفاعية أكثر تقدماً للتعامل مع الهجمات الروسية المتصاعدة.
فيما قال الخبير العسكري العميد ناجي ملاعب، إن موسكو لا تزال تعتمد نموذج الحرب التقليدية في عملياتها داخل أوكرانيا، وتعمل، بين حين وآخر، على تثبيت سيطرتها في دونيتسك شرق أوكرانيا، التي تعتبرها أراضيَ روسية بحكم الامتداد السكاني ذي الأصول الروسية.
وأضاف ملاعب في حديث لـ«إرم نيوز» أن الجيب الذي أنشأته أوكرانيا داخل المناطق الروسية فشل بالكامل، بعد تطويق عناصره وحصار الجنود الأوكرانيين داخله، وهو ما أدى إلى تفوق روسي واضح. وفي الوقت نفسه أكد أن أوروبا والولايات المتحدة لم تتخلّيا عن أوكرانيا، لافتاً إلى تخصيص ألمانيا نحو 11 مليار دولار لدعمها.
وأوضح الخبير العسكري أن فعالية الأسلحة الحديثة، لا سيما المسيّرات منحت أوكرانيا قدرة على إزعاج روسيا في منشآت الطاقة، والمطارات، ومراكز إنتاج الكهرباء.
وأشار إلى أن موجات المسيّرات الأوكرانية المصنعة محلياً والقادرة على اختراق العمق الروسي، دفعت موسكو إلى شن هجمات مضادة كثيفة على منشآت حيوية خاصة في كييف، بعد فترة طويلة من تجنّب استهداف تلك المواقع.
رئيس الأركان الفرنسي يكشف “كلمة السر” في تحقيق “الردع أمام روسيا
وكشف أن روسيا استفادت من التصنيع المشترك للطائرة الإيرانية شاهد 136، وطورت على أساسها مسيّرات روسية، مع استمرار اعتمادها على الخبرات الإيرانية، إلى جانب دعم من كوريا الشمالية ودعم صيني غير معلن.
وقال، إن روسيا لم تستخدم كامل قوتها العسكرية حتى الآن، غير أن المسيّرات الأوكرانية المتجهة نحو الداخل الروسي تشكل مصدر إزعاج كبير لموسكو.
ولفت إلى أن ألمانيا وتركيا تقفان خلف أوكرانيا في مجال المسيّرات، خاصة بعد اتفاق كييف، العام 2015، على تصنيع مسيّرات «بيرقدار»، فضلاً عن حصولها على مسيّرات ألمانية.
وأوضح أن روسيا رغم الهجمات الجوية لا تزال تعتمد، في المقام الأول، على الحرب التقليدية القائمة على السيطرة على الأرض، وتواصل تقدّمها في خاركيف وغيرها، بينما تتلقى أوكرانيا دعم غربي يهدف إلى «إرباك» الداخل الروسي.
وأشار ملاعب إلى أن جميع السيناريوهات تبقى مطروحة، في ظل رفض الدول الأوروبية للمبادرة الأمريكية التي طرحها الرئيس دونالد ترامب للحل.
ولفت إلى فشل محاولات الغرب عزل روسيا عن شركائها، مستشهداً بوصول أول قطار إلى السواحل الإيرانية ضمن مشروع خط السكك الحديدية الشمالي الجنوبي الذي قطع، كما قال، شوطًا كبيرًا ودخل مرحلة التنفيذ والاستثمار.
المصدر: وكالات أنباء

