“الراين” من أهم أنهار أوروبا وأشهرها يقطع 1320 كيلو مترا من منبعه في جبال الألب إلى مصبه في بحر الشمال، مارا بسويسرا وألمانيا وفرنسا وهولندا ولوكسمبورج.
في ثمانينات القرن الماضي، أصبح “الراين” من أسوأ الأنهار سمعة من حيث التلوث. وبفضل تعاون دول حوضه، فإن تقرير علمي أخير يؤكد أن هذه الصورة تغيرت تماما، وأنها مستمرة في التغيير صوب الأفضل.
وتؤكد “اللجنة الدولية لحماية الراين” أن مشروعها المسمى “الراين 2020” سيتمكن سنة 2020 من تحقيق الاستفادة النموذجية من فيضان النهر لصالح دول حوضه جميعا. هذه اللجنة تشكل منظمة إقليمية تأسست سنة 1950 وهي تتخذ من مدينة “كوبلنز” الألمانية مقرا لها، وتضم في عضويتها دول الحوض وثلاث من دول الجوار بصفة مراقب وهي بلجيكا والنمسا وإمارة ليختنشتين.
كان اليوم الأول من نوفمبر 1986 يوما رهيبا لا ينسى في تاريخ سويسرا الحديثة، فهذه الدولة التي حافظت على حيادها العالمي دوما على نحو فريد وعاش شعبها في سلام وأمان، استيقظ الناس في ذلك اليوم في واحدة من أهم مدنها وهي “بازل” على مشهد مفزع، فقد وقع حادث في مجمع كبير للصناعات الكيميائية بالقرب من النهر، أدي إلى تسرب أطنان من الكيماويات المشتعلة وتدفقها إلى مياه النهر الذي أصبح صفحته صورة من الجحيم.
عن هذا الحد، تأكد للجميع أن “الراين” في خطر.
كانت مياه النهر تحفل بأسماك السلمون، فكادت تختفي بسبب التلوث بالكادميوم والرصاص والزئبق وغيرها، وقد انخفض هذا التلوث إلى حد بعيد.. وأخذ السلمون يعود وتم تأمين مياه الشرب النظيفة لنحو 30 مليون شخص يعيشون في دول حوض الراين، وباختصار تبدل النهر من حال إلى حال بصورة رائعة.
سنة 1995، إطمأنت دول الحوض إلى أن مشكلة تلوث النهر في سبيلها إلى الحل، فاتجهت إلى التعاون في جانب آخر من جوانب شؤونه، هو الفيضان، فأنشات نظاما مشتركا للإنذار المبكر من الفيضانات العالمية.
الآن، يقوم أكثر من 240 محطة موزعة على النهر من منبعه إلى مصبه بمراقبة جودة مياهه باستمرار، وقد أصبحت “بازل” التي اشهدت كارثة 1986 مركزا لتلقي تقارير المراقبة وتحليلها والقيام بتنبيه دول الحوض إلى أي تغير بيئي مقلق.
إن وجود نهر في منطقة من العالم يوجد نظاما بيئيا كاملا في حوضه، لذلك فإن أنشطة اللجنة الدولية لحماية الراين” لا تقتصر على الحفاظ على مياهه ومجراه وأحيائه المائية، إنما تمتد إلى الحفاظ على النظام البيئي للحوض كله.
“الثقة”، هي، وفقا لما يؤكده مسؤولو اللجنة، هى الأساس الذي بنيت عليه “دول الراين” نجاحها وتوفيقها الكبير في الحفاظ عليه وتحقيق الاستفادة المشتكرة منه.
فهل تنظر دول حوض النيل إلى ما فعلته وتفعله دول حوض الراين؟.
مجدي غنيم – المحرر العلمي لقناة النيل

