في ظل تحولات معقدة وتحديات أمنية متداخلة، يلوح في الأفق السوري ما يمكن وصفه بمحاولة جديدة لإعادة ترتيب الأوراق السياسية. فبين تطلعات الشارع السوري، وجدل التمثيل العادل للمكونات، وبين جهود دمشق لتثبيت شرعية المرحلة الانتقالية، أطلق المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، مؤشرات إيجابية حول اقتراب تسوية في سوريا.
مع استلام الرئيس السوري أحمد الشرع لمهامه، تمضي البلاد بحذر نحو انتخابات برلمانية بين 15 و20 سبتمبر، وسط انقسامات حادة حول تمثيل الأقليات وشفافية العملية الانتخابية.
وتبرز النسخة النهائية للنظام الانتخابي المؤقت كمحاولة لإعادة تشكيل “مجلس الشعب” بطريقة تشمل المكونات المختلفة، دون محاصصة صريحة.
لكن المشهد الانتخابي لا يُقرأ بمعزل عن تعقيدات جغرافية وأمنية. إذ لا تزال قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تسيطر على شمال شرق البلاد، بينما تحتفظ إسرائيل بنفوذ في بلدات من القنيطرة، وتشهد السويداء اضطرابات وخروجا تدريجيا للقوات الحكومية، بالتوازي مع نشاط متصاعد لتنظيم داعش في البادية.
هذه الوقائع تضع عراقيل جدية أمام قدرة لجنة الانتخابات على تنظيم عملية شاملة وعادلة على مستوى البلاد، خصوصا مع بقاء التوزيع السكاني والطائفي غير المتوازن، ما يجعل ضمان تمثيل حقيقي لكل المكونات تحديًا مركزيا في المسار السياسي السوري.
المبعوث الأمريكى ستيف ويتكوف أبدى تفاؤله بقرب تهدئة في سوريا، مشيرا إلى أن “الاتفاقات الإبراهيمية ستتوسع”، ما قد يربط سوريا ضمنيًا بترتيبات إقليمية تتجاوز الداخل.
داخلياً، تواصل دمشق حملة أمنية لفرض هيبتها، خصوصًا في مناطق شهدت تفلتا أمنيا. حيث تم اعتقال قيادات بارزة في “غرفة عمليات الساحل”، التي تصنفها الحكومة كجماعة خارجة عن القانون، وعلى رأسهم مالك علي أبو الصالح، ووضاح سهيل إبراهيم، ونضال عثمان. تأتي هذه الاعتقالات في سياق محاولة ضبط الساحل بعد أحداث دامية في مارس الماضي، وهو ما يراه إبراهيم “جهدًا مكملا للعملية السياسية”، لا نقيضا لها.
رغم كل هذه المناورات السياسية والأمنية، يبقى التحدي الأساسي هو شرعية هذه الانتخابات، خاصة مع رفض بعض القيادات المحلية، مثل الهجري في السويداء، لأي تمثيل لا يصدر عن المكونات نفسها.
بينما تبدو التهدئة ممكنة من منظور دبلوماسي، فإن نجاحها على الأرض مرهون بإرادة داخلية جامعة واستعداد دولي لتثبيت الاستقرار.
فالحكومة السورية تسعى لسحب فتيل الانفجار من خلال البرلمان، لا عبر فرض الفيدرالية أو تقاسم السلطة التقليدي فهى ورقة سياسية بديلة، أشبه بـ”جزرة”، بعدما ثبت أن “العصا” قد تشعل البلاد من جديد.
المصدر : وكالات

