تكاد دوائر الابحاث والصناعات الدوائية العالمية تجمع على أن سنة 2016 ستشهد طرح أدوية جديدة تؤكد أمرين : أولهما أن الاتجاهات الانقلابية الراهنة فى علوم الدواء فى عدة مجالات ستنتج ثمارها، وثانيهما – للاسف – أن ذلك سيطلق موجة جديدة خطيرة من الارتفاع فى اسعار الدواء، فالاستثمارات بالغة الضخامة التى تضعها شركات الأدوية متعددة الجنسية فى استنباط الأدوية الجديدة قد أثبتت جدواها التجارية متلازمة مع جدواها الطبية، وتبعاً لمجلة ” فارمسي توداى” الأمريكية المتخصصة فى الصناعات الدوائية: فإن هذا يغرى تللك الشركات باستثمار المزيد من الأموال الهائلة فى إجراء الأبحاث باهظة التكاليف ومن البديهى أن العلم والطب يستفيدان كثيراً من هذا ، لكن البديهى أيضاً أمن المرضى هم من يتحمل تلك التكاليف، فالمؤكد تماماً أن عصر العلماء الذين يعكفون على معالمهم ” تخفيف آلم البشرية” قد مضى إلى غير رجعة.
نعم لقد احرز الدواء ” سوفالدى” الذى طرح مؤخر نتائج طبية فى علاج الالتهاب الكبدى الناتج عن ” الفيروس سى”، مثلاً كم تكلفته؟
إن ثمن الحبة منه 1000 دولار، وقد يتطلب تحقيق النتيجة المرجوة تعاطى 84 حبة، فكم من المرضى فى العالم – خاصة الفقير – يستطيع تحمل مثل هذه التكلفة؟ أفلا توصف مشكلة التقدم الراهن فى البحوث والصناعات الدوائية وتكلفتها بانها معضلة حقيقية؟
هناك رقم مذهل فعلاً فى هذا الصدد: إن رقم مبيعات خمسة أنواع من الأدوية فقط بلغ العام الماضى 2013 قرابة 50 بليون دولاراً.
لقد باع دواء واحد فقط مضاد للروماتيزم والالتهابات برقم قيساسى تاريخى: بلغ 16 بليون دولاراً.
تلاه بفارق كبير دواء مضاد للروماتيزم وحده: بلغت مبيعاته 8,7 بليون دولار، تلاه دواء مضاد لنفس المرضبلغت مبيعاته 8.4 بليون دولار، أى أن من 33 بليون دولاراً وإذا غضضنا النظر عن الارقام التجارية : فإن ذلك يؤكد أن تقدماً واضحاً قد تم تحقيقه فى علاج الروملتيزم والالتهابات.
ثم يأتى دواء مضاد للربو: بلغت مبيعاته 8.2 بليون دولار، يليه مستحضر لضبط مستوى السكر فى الدم: بلغت مبيعاته 7.6 بليون دولار.
هناك جوانب متعددة فى هذا الشأن ذى الأهمية الكبيرة للبشرية كلها: من هذه الجوانب أن شركات الأدوية الكبرى ، اصبحت تتوخى أن تقوم ادويتها على تركيبات بالغة التعقيد، بحيث يصعب جيداً تقليدها، ففى سوق الالكترونيات مثلاً : فقدت الدول المتقدمة علمياً التقليدية سيادتها القديمة بالتدرج منذ ستينات القرن الماضى بسبب ظهور النتجات الإلكترونية الآسياوية منخفضة الأسعار، فهل يتكرر هذا فى سوق الأدوية عالية التطور؟ الواضح أن المحاولات الآسيويةقوية، لكن الواضح أيضاً أن شركات الأدوية الغربية الكبرى مقاومتها أقوى: فالمنتج الدوائى له طبيعة خاصة، لقد أقبل الناس مثلاً على اقناء أجهزة آسيوية بديلة لمثيلاتها الأوروبية والأمريكية لأن أسعارها ارخص، لكن الأمر – إلى حد بعيد – ليس كلك فيما يتعلق بالدواء، إن سيادة الشركات الغربية على الأبحاث والصناعات الدوائية بادية الوضوح: وقائمة الأدوية الخمسة التى حققت أرقاماً قياسية فى العام الماضى تقتصر على إنتاج هذه الشركات وحدها.
المصدر: مجدى غنيم

