في خطوة مفاجِئة أثارت جدلًا دوليًا واسعًا، كشفت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أكتوبر 2025 عن «خطة سلام شاملة» تهدف إلى إنهاء الحرب المستمرة منذ عام 2022 بين روسيا وأوكرانيا، وقد جاءت الخطة بعد أشهر من التوترات المتصاعدة على الجبهة، وتخوّف غربى من أن تطول الحرب لسنوات إضافية، خصوصًا مع دخولها عامها الرابع دون أى مؤشرات حقيقية على تسوية سياسية.
استندت الخطة الأمريكية التى تم تداول تفاصيلها عبر مصادر دبلوماسية رسمية فى البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية، إلى خمسة محاور أساسية، وفق ما نشرته وكالة رويترز، أولها الوقف الفورى لإطلاق النار، ودعوة الطرفين إلى وقف الأعمال العدائية بشكل فورى تحت إشراف دولى، مع السماح بمرور المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، وثانيها مفاوضات مباشرة بين موسكو وكييف، عبر تنظيم جولة محادثات مباشرة، ربما فى سويسرا أو تركيا، برعاية أمريكية – أوروبية، تمهيدًا لحل سياسى طويل الأمد.
ثالث المحاور هو ضمانات أمنية لأوكرانيا، من خلال تقديم ضمانات أمنية غير عسكرية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مع التأكيد على عدم انضمام أوكرانيا إلى الناتو في المدى القريب، ورابعها حل وسط حول الأراضى المحتلة، باقتراح «وضع انتقالي» للمناطق الأوكرانية التى تسيطر عليها روسيا (مثل دونباس وخيرسون)، دون الاعتراف بضمّها، على أن يُحدَّد مستقبلها عبر استفتاءات محلية تحت إشراف الأمم المتحدة بعد خمس سنوات من الهدنة.
أما خامس المحاور فهو رفع العقوبات تدريجيًا حيث يربط رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا بتقدّم العملية السلمية والتزام موسكو بالبنود المتفق عليها.
ورغم أن الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى رحّب علنًا بالمبادرة الأمريكية باعتبارها «فرصة للسلام»، فإن مصادر دبلوماسية أوكرانية كشفت لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن كييف تعارض بشدة أى حل يسمح لروسيا بالاحتفاظ بأراضٍ أوكرانية، حتى بشكل مؤقت. وصرّح مستشار الرئاسة الأوكرانية ميخايلو بودولياك، فى مقابلة مع BBC فى 18 نوفمبر 2025، بأن كييف تخشى أن تُقدَّم الضمانات الأمنية كبديل عن عضوية الناتو، التى تعتبرها «ضمانة استراتيجية لمستقبلها السيادى».
من جانبها، وصفت وزارة الخارجية الروسية الخطة الأمريكية بأنها «غير متوازنة»، وطالبت بـ«اعتراف قانونى بضمّ الأراضى التى انضمّت إلى روسيا بعد الاستفتاءات فى 2022»، بحسب ما نقلته وكالة تاس الروسية الرسمية فى 20 أكتوبر 2025، ومع ذلك لم ترفض موسكو الخطة بشكل قاطع، بل أبدت استعدادها لـ«استكشاف العناصر القابلة للتطبيق»، وفق تصريحات نائب وزير الخارجية سيرجى ريابكوف.
وأشارت مصادر مقرّبة من الكرملين إلى أن روسيا قد تقبل بوقف مؤقت لإطلاق النار إذا تضمن ذلك رفعًا فوريًا لجزء من العقوبات، لكنها مُصرّة على أن الوضع النهائى للمناطق المحتلة ليس للتفاوض. ونقلت صحيفة فايننشيال تايمز فى تقرير بتاريخ 5 نوفمبر 2025 أن روسيا ترى فى الخطة الأمريكية محاولة أمريكية لإنقاذ أوكرانيا من الانهيار العسكرى دون التفريط فى المكاسب الإقليمية.
أما الاتحاد الأوروبى فقد أيّد الخطة بشكل مبدئى، داعيًا إلى دعم أى جهد يهدف إلى إنهاء الحرب، مع التأكيد على أن السلام لا يمكن أن يكون على حساب سيادة أوكرانيا. وفى المقابل، رحّبت الصين، التى طرحت خطة سلام خاصة بها فى وقت سابق، بالمبادرة الأمريكية كـ خطوة إيجابية، داعية إلى تعزيز الدور متعدد الأطراف فى حل الأزمة.
ورغم الجهد الدبلوماسى الأمريكى يبقى طريق السلام مليئًا بالتحديات. فموقف كييف يرتكز على مبدأ «الأرض مقابل السلام» المقلوب: أى السلام مقابل استعادة الأراضى كاملة. فى المقابل، ترى موسكو أن نتائج الحرب على الأرض يجب أن تُترجم سياسيًا. وبين هذين الموقفين، تحاول واشنطن أن تكون وسيطًا، لكنها تفتقر إلى أدوات الضغط الكافية على موسكو، خاصة بعد أن استنزفت معظم ذخيرتها العقوباتية.
ربما تكون خطة السلام الأمريكية محاولة صادقة لإنهاء واحدة من أكثر الحروب دموية فى أوروبا منذ عقود، لكنها، وفق تحليل خبراء فى معهد كارنيجى للسلام الدولى، تفتقر إلى آلية تنفيذ ملزمة، وتتجاهل موازين القوى الحقيقية على الأرض. فما زال مستقبل أوكرانيا معلّقًا بين مطرقة روسيا وسندان الجغرافيا السياسية، بينما تراقب واشنطن وبروكسل بقلق كيف ستستجيب العاصمتان لدبلوماسية قد تكون آخر فرصة قبل تصعيد خطير جديد.
المصدر: وكالات أنباء

