يجد لبنان نفسه مجدداً أمام لحظة سياسية وأمنية دقيقة، مع تزايد الضغوط الداخلية والخارجية المرتبطة بملف سلاح حزب الله، بالتزامن مع تصعيد إسرائيلي متواصل وغارات مكثفة خلال الأيام الأخيرة.
هذا المشهد المعقّد أعاد طرح أسئلة جوهرية حول قدرة الدولة اللبنانية على الإمساك بزمام المبادرة الأمنية، وحول حدود الدور الذي يمكن أن يلعبه الجيش اللبناني في ظل التحذيرات الإسرائيلية والرسائل الدولية المتقاطعة.
في قلب هذا التصعيد، برز بيان الجيش اللبناني بشأن حادثة يانوح، حيث أكد بقاء قواته في محيط المبنى المعني، في خطوة عكست محاولة واضحة لتكريس حضور الدولة ودورها في حفظ الأمن.
غير أن هذه الخطوة لم تكن كافية لاحتواء التداعيات السياسية والأمنية، خصوصا بعد الكشف عن رسالة إسرائيلية نقلت إلى بيروت عبر الولايات المتحدة، حذرت فيها تل أبيب من أي تنسيق أو تعاون بين الجيش اللبناني وحزب الله، على خلفية ما وصفته إسرائيل بمؤشرات على تنسيق ميداني بين الطرفين.
و جدير بالذكر أن تصريح السفير الأميركي ببيروت عقب زيارته لرئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث شدد على أن التفاوض بين لبنان وإسرائيل يشكل مساراً مستقلاً عن مسار الحرب بين إسرائيل وحزب الله.
و يعتبر هذا الفصل ليس تفصيلا دبلوماسيا عابرا، بل يعكس قبولا أميركيا صريحاً باستمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية، بغض النظر عن أي مسار تفاوضي تقوده الدولة اللبنانية.
ويشير إلى أن هذا الموقف يعني عمليا أن أي محاولة لربط التفاوض بوقف الاعتداءات الإسرائيلية تبقى خارج الحسابات الدولية، وأن أي إجراء قد يوحي بوجود صلة أو تنسيق بين الدولة اللبنانية وحزب الله يعد غير مقبول.
من هنا، يأتي التحذير الإسرائيلي الأخير، المنقول عبر الولايات المتحدة، ليكرّس المنطق نفسه: لا علاقة بين التفاوض السياسي الذي تجريه الدولة وبين استمرار الضربات العسكرية.
ورغم تعيين سفير سابق لقيادة مسار التفاوض، والحديث عن انتقال لبنان إلى مرحلة شبه تفاوض سياسي ولكن هذه الخطوات لم تغيّر في جوهر المشهد.
ونتوقف عند الإشكالية المرتبطة بدور الجيش اللبناني، معتبراً أن ثمة التباساً بنيوياً يحيط بتكليفه. فإسرائيل، بحسب ما يوضح، تبلغ الآلية المعنية قبل تنفيذ أي غارة، ما يثير تساؤلات حول سبب كل التعقيدات التي رافقت تفتيش منازل أو مواقع مشبوهة.
و يعكس هذا الواقع قصورا في عملية التكليف الحكومي، حيث أوكلت إلى الجيش مهام حساسة من دون تحديد واضح للإجراءات أو لقواعد الاشتباك.
ويؤكد أن الأصل كان يقتضي أن يكون الجيش مطلق الصلاحية، ومغطى قانونيا بشكل صريح، لمداهمة أي موقع يشتبه به بناءً على معلومات متوافرة، من دون الدخول في إشكالات ميدانية وسياسية.
وكان يفترض بالحكومة أن تعلن منطقة جنوب الليطاني منطقة عسكرية أو أن تفرض حالة طوارئ فيها. مثل هذا القرار، لو اتُّخذ، كان سيفعّل قانون الدفاع ويمنح الجيش صلاحيات استثنائية واضحة بموجب مرسوم صادر عن مجلس الوزراء، ما كان سيزيل كثيراً من الإشكالات القانونية والدستورية.
غياب هذا الغطاء جعل مسألة حصرية السلاح أقرب إلى خطاب سياسي منها إلى سياسة تنفيذية. فهناك حديث عن حصر السلاح من دون توفير الأدوات القانونية اللازمة لتنفيذ هذا الهدف، الأمر الذي خلق فراغاً استثمرته وسائل الإعلام، وفتح الباب أمام تأويلات متناقضة حول طبيعة دور الجيش وحدود تحركه.
وما يجري الآن يعكس نوعاً من التعايش غير المعلن بين حالة مسلحة غير شرعية وقوة شرعية تحاول فرض النظام ضمن هوامش ضيقة. هذا الواقع، برأيه، يبعث برسائل سلبية، سواء إلى الداخل اللبناني أو إلى الخارج، ويعزز الانطباع بوجود تساهل أو غموض في تطبيق القرار الدولي.
والمسألة الآن لم تعد مسألة توافق سياسي، بل مسألة تطبيق واضح وصارم لقرار دولي يحفظ سيادة لبنان ويقيه الاعتداءات.
ومن دون تحديد قانوني دقيق، وإجراءات عملانية شفافة، سيبقى لبنان عالقاً بين مسار تفاوضي هش وميدان مفتوح على كل الاحتمالات، فيما شبح التصعيد يظل حاضراً بقوة.
المصدر : وكالات

