بعد سقوط نظام بشار الأسد بدأت سوريا مسار التعافي الاقتصادي للتخلص من آثار الدمار الناتجة عن الحرب التي استمرت نحو 14 عاماً منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011.
وحتى قبل الحرب التي دمرت البنية التحتية في البلاد، عانت سوريا من أزمات اقتصادية عديدة بسبب حكم آل الأسد سواء الأب حافظ الذي حكم سوريا من 1971 وحتى عام 2000 أو الابن بشار الذي استمر في الحكم خلفاً لأبيه حتى ديسمبر 2024.
عاش المواطن السوري تحت حكم قمعي استنزف موارد البلاد وأدخلها في أزمات عديدة انتهت بحرب أدت إلى ارتفاع معدلات الفقر لنحو 90% من المواطنين مع موجات نزوح داخل سوريا وخارجها بالملايين.
ومع اندلاع الحرب تعرضت سوريا لعقوبات اقتصادية نتج عنها انكماش الاقتصاد السوري مع تراجع حاد في الأنشطة الإنتاجية وانهيار القطاعات الاقتصادية المختلفة وتدمير عدد كبير من المصانع وتراجع المساحات الزراعية.
كما انهارت الليرة السورية بمعدلات قياسية حيث ارتفع سعر الدولار الأميركي من مستوى 50 ليرة في عام 2011 إلى نحو 15 ألف ليرة عند سقوط بشار الأسد، قبل أن ترتفع الليرة قليلاً إلى مستوى 11 ألف ليرة للدولار حالياً.
ومع انهيار الليرة السورية ارتفعت أسعار السلع والخدمات لمستويات كبيرة وسجل تضخم أسعار المستهلكين مستوى بلغ نحو 140%، بالإضافة إلى انهيار منظومة الدعم التي كانت تساعد الأسر السورية في التأقلم مع تداعيات الانهيار الاقتصادي.
قبل عام رحل بشار الأسد تاركاً احتياطي نقد أجنبي لدى مصرف سوريا المركزي لا يتجاوز 200 مليون دولار، بالإضافة إلى مخزون من الذهب يصل إلى 26 طناً فقط.
كما ترك بشار تركة شهدت تراجع الاستثمارات العامة وانهيار الاستثمار الخاص ما أدى إلى توقف شبه كامل لعجلة الاقتصاد السوري، بالإضافة إلى انهيار إنتاج النفط بسبب النزاعات المسلحة في عدد من المناطق التي تضم آبار النفط السورية، حيث تراجع الإنتاج من مستوى 380 ألف برميل نفط يومياً قبل الحرب إلى أقل من 90 ألف برميل يومياً سواء في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة النظام أو التي تقع خارج نطاق سيطرته.
وتشير البيانات الاقتصادية إلى أن سوريا لم تواجه “الفقر المدقع” قبل الحرب التي شنها النظام السوري السابق على شعبه، ولكن بعدها ارتفعت معدلات الفقر بجميع أنواعه لمستويات غير مسبوقة، حيث طال الفقر 90% من الشعب السوري.
ووفقاً لبيانات سابقة لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، فقد سجل الناتج المحلي الإجمالي لسوريا انخفاضاً كبيراً ليمثل فقط نحو 15% من القيمة المسجلة قبل اندلاع الحرب في عام 2011، أي أن اقتصاد سوريا سجل انكماشاً بنسبة بلغت 85%.
إعادة الإعمار هي الهدف الأول للحكومة السورية في الوقت الحالي، خاصة مع بدء مرحلة رفع العقوبات التي كانت مفروضة على النظام السوري السابق وأهمها “قانون قيصر” الذي أعلنت الحكومة الأميركية عن اقتراب المراحل النهائية للتصديق على إلغائه في الكونجرس الأميركي.
ووصف حاكم مصرف سوريا المركزي عبدالقادر الحصرية، ما يحدث بشأن رفع العقوبات المفروضة على سوريا بـ “المعجزة”.
وأكد الحصرية أنه من المتوقع صدور قرار من الكونجرس الأميركي بإلغاء قانون قيصر في وقت قريب.
كما عادت سوريا إلى التعاون مع المؤسسات المالية الدولية بعد سنوات من القطيعة في عهد النظام السابق، حيث بدأت التواصل مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي منذ شهر أبريل الماضي من أجل التعاون لدعم استقرار العملة ووضع خطة السياسة النقدية.
وقال صندوق النقد الدولي، في منتصف نوفمبر الماضي، إنه بدأ مناقشات بشأن وضع إطار مناسب للسياسة النقدية لسوريا من شأنه أن يدعم ضمان انخفاض التضخم واستقراره.
وأضاف الصندوق، بعد ختام زيارة فريق الخبراء إلى دمشق، أن السلطات السورية تمكنت من اتخاذ موقف متشدد على الصعيدين المالي والنقدي في ظل القيود الكثيرة التي تواجهها.
وأشار صندوق النقد الدولي إلى أن الاقتصاد السوري يظهر مؤشرات على التعافي.
فيما أكد حاكم مصرف سوريا المركزي أن المحادثات مع صندوق النقد تناولت السياسة النقدية والاستقرار المالي والمالية العامة ومجالات أخرى.
وقال الحصرية: “صندوق النقد سيعمل معنا في بعض المبادرات وسيقدم لنا المساعدة الفنية لكننا لم نتوصل بعد إلى برنامج معهم”.
و جدير بالذكر أن الاستقرار الأمني في سوريا يمثل محوراً أساسياً في جذب الاستثمارات الأجنبية، خاصة أن رأس المال الأجنبي يتخوف من الاستثمار في أي مكان يشهد توترات أمنية سواء كانت داخلية أو على المناطق الحدودية.
وبالإضافة إلى التعاون مع صندوق النقد، بدأت سوريا مرحلة جديدة من التواصل مع البنك الدولي من أجل وضع وثيقة مشروع إصلاح المالية العامة، وذلك في إطار التعاون المشترك لتعزيز كفاءة إدارة المال العام وتطوير نظم الرقابة والحوكمة المالية في سوريا.
وتتضمن محاور المشروع، تعزيز الشفافية المالية، وتطوير آليات الرقابة الداخلية والخارجية، ودعم القدرات المؤسسية للأجهزة الرقابية، بما يسهم في الاستخدام الأمثل للموارد العامة وتحسين كفاءة إدارة المال العام.
وقدر البنك الدولي تكلفة إعادة الإعمار في سوريا بحوالى 216 مليار دولار استناداً إلى نتائج تقييم يشمل الفترة الممتدة من 2011 إلى 2024.
ووفقاً لبيانات البنك الدولي تقدر “الأضرار المادية المباشرة للبنية التحتية والمباني السكنية وغير السكنية الناتجة عن الحرب بنحو 108 مليارات دولار”، 52 ملياراً منها إجمالي الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية وحدها.
وتوقع البنك الدولي في تقريره أن “تتراوح تكاليف إعادة إعمار الأصول المادية المتضررة بين 140 و345 مليار دولار”، موضحاً أن “أفضل تقدير متحفظ يبلغ 216 مليار دولار”، يتوزع بين 75 مليار دولار للمباني السكنية، و59 مليار دولار للمنشآت غير السكنية، و82 مليار دولار للبنية التحتية.
المصدر : وكالات

