هذا العام : منحت “جائزة نوبل للاقتصاد” لعالم الاقتصاد الفرنسي “جان تيرول” الأستاذ ” بجامعة تولوز” لجهوده العلمية التى تركزت فى مجال “الاحتكار” ، وفى بيانها حول منح الجائزة “لتيرول” : أشارت “الأكاديمية الملكية للعلوم” فى ستوكهولم إلى أن “كثيرًا من الصناعات يهيمن عليه عدد صغير من الشركات الكبرى ، وأحيانا شركة واحدة محتكرة” وفى أمريكا معقل الرأسمالية فى العالم : ظل مبدأ منع الاحتكار ركنًا ركينًا في نظامها الاقتصادي – الاجتماعي ، ودائمًا اعتبر هذا المبدأ – الذي قد يبدو معاكسًا للاقتصاد الحر – ركيزة أساسية للحفاظ على الرأسمالية ، وهناك تساؤل مطروح بقوة الآن هناك : هل يكون “منع الاحتكار” فى الولايات المتحدة منفذًا لتسلل التضييق على الانترنت ؟
معروف تمامًا أن “حرية الصحافة” فى أمريكا مقدسة ، ولقد ظل من غير الممكن صدور تشريعات أمريكية تحد من هذه الحرية بحال من الأحوال ، وقد ظلت الصحافة هي “الصحافة الورقية” ثم ظهرت وكالات الأنباء التى ارتكز عملها على الوسائل التلجرافية ، وفى بواكير القرن الماضى : جاءت “الإذاعة” متمثلة فى الراديو الذى تبعه التليفزيون ، وعرفت أمريكا “لجنة الاتصالات الفيدرالية” كأمر لازم للتصميم الهندسي للبث ، ومنذ نشأتها ظلت مثار تخوف من أن يؤثر هذا “التنظيم” على حرية المحتوى الإعلامى ، وإلى حد بعيد جدًا ظل ذلك التخوف على غير أساس فى مجتمع يقدس حرية تداول المعلومات ، والآراء وحرية التعبير ، حتى جاء الإنترنت وثورة التكنولوجيا الرقمية ، وطبيعى أن يشكل هذا قلقًا فى مجتمعات مغلقة أو شمولية ، وأن تستمر محاولات تقييده والحد من توغله ، أما أن توجد محاولات من هذا النوع فى الولايات المتحدة فمستبعد الى أقصى حد ، ومع ذلك هناك من يرى ما يعتبر بوادر تلوح فى الأفق للتضييق على الإنترنت : متسترة خلف “لجنة الاتصالات الفيدرالية” من جهة والتشريعات المانعة للاحتكار من جهة أخرى ، وقد تشكلت منظمة قوية تعمل على إحباط أي محاولات للتضييق على الشبكة العنكبوتية ، هى “منظمة الجبهة الالكترونية” التى تتخذ من “لجنة الاتصالات” خصمًا دائمًا لها .
فى الشق المتعلق بمنع الاحتكار من قبل الشركات الكبرى العاملة فى حقل الاعلام الرقمى : فإن المنظمة وغيرها من المعنيين تبدى قلقها من تركز النشاط فى هذا الحقل فى أيدى تلك الشركات ، لكن تظل المعادلة الصعبة هى ألا تستغل الجهود الرامية لمناهضة ذلك فى التضييق على الإعلام الرقمى فتكون كلمة حق يراد بها باطل .
أن ينتقل دور “لجنة الاتصالات الفيدرالية” من “التنظيم” الهندسي إلى “التدخل” بما يؤثر على حرية تدفق المعلومات ، وأن تنحرف التشريعات المناهضة للاحتكار إلى مناهضة هذه الحرية أمران عسيران فى الواقع الأمريكى : لكنهما هاجسان يراودان “منظمة الجبهة الالكترونية” وغيرها .
مزيد من قدرات الناس على الوصول إلى الإنترنت – شاء من شاء وأبى من أبى – المواجهة الحقيقية للجهود الرامية إلى التضييق على الشبكة العنكبوتية والإعلام الرقمى فى العالم كله ، مثلًا عن طريق تنمية تكنولوجيا “واى – فاى ماكس” .
هناك من يرى أن الاحتكار فى هذا الحقل يمثل عاملًا سلبيًا فى التقدم العلمى أيضًا : فها هى شركة “باكسافير” الأمريكية تفرض هيمنتها على تناقل الأبحاث العلمية عبر الانترنت ، بما يثير قلقًا فى الدوائر العلمية .
المصدر : مجدي غنيم المحرر العلمي لقناة النيل