الشيخ أبو العينين شعيشع، من قراء القرآن المصريين البارزين.
ولد الشيخ أبو العينين شعيشع في مدينة ومركز بيلا بمحافظة كفر الشيخ شمال مصر في 22 أغسطس 1922م .
حفظ القران، وذاع صيته صبيًا من خلال حفل أقيم بمدينة المنصورة سنة 1936.
دخل الإذاعة المصرية سنة 1939م، وكان وقتئذ متأثرًا بالشيخ محمد رفعت وكان على علاقة وطيدة به، وقد استعانت به الإذاعة لإصلاح الأجزاء التالفة من تسجيلات الشيخ محمد رفعت فقد كان من أبرع من استطاع تقليد الشيخ الكبير محمد رفعت.
اتخذ الشيخ أبو العينين لنفسه أسلوبًا خاصًا فريدًا في التلاوة بدءًا من منتصف الأربعينيات وأخرج ما بصوته من إبداعات ونغمات كان قد كتمها لحين وقتها، وكان أول قارئ مصري يقرأ بالمسجد الأقصى، وزار سوريا والعراق في الخمسينيات.
أصيب بمرض في صوته في مطلع الستينيات، غير أنه غلبه وعاد للتلاوة، وعين قارئًا لمسجد عمر مكرم سنة 1969 م، ثم لمسجد السيدة زينب منذ 1992 م.
ناضل الشيخ في السبعينيات لإنشاء نقابة القراء مع كبار القراء وقتئذ مثل الشيخ محمود على البنا والشيخ عبد الباسط عبد الصمد انتُخبَ نقيبًا لها سنة 1988 م.
وحفظ القرآن قبل سن العاشرة وكان منذ صغره يهوى ويحب زيارة الكتاتيب الذين يحفظون ويرتلون القرآن وكان يحب كذلك حظور الليالي التي يتواجد فيها القراء لتلاوة القرآن الكريم .
وحينما كان الشيخ طالباً بمدرسة المنصورة الثانوية حكم عليه جميع الأساتذة بأنه لايصلح لشئ ,وذلك بسبب عدم التزامه بالدراسة والسبب سهراته في ليالي التي يحيها القرأء والمنشدون, وكان الغريب في أمر الفتى الشاب أنه كان في الفصل وأثناء الدراسة يحرك شفتيه بكلام خافت … وكان الذين يجاورونه في الفصل يعلمون أنه يرتل القرآن ! .. ولم يستمر الشيخ في دراسته .
وخرج الشيخ أبو العينين شعيشع الى الشارع يسهر كثيرًا في ليالي القراءة ويحوم حول المنشدين في الأسواق ويطرب كلما سمع أن أحداً من كبار القراء سيسهر الليل في المنصورة, ولقد كان أخوه – الشيخ أحمد شعيشع – من مشاهير القراء في المنصورة, فكانت فرصة طيبة للشيخ أبو العينين شعيشع أن يذهب معه كل مساء الى ليلة قراءة ليقابل مع أخوه القراء ويستمع لهم .
وسمع الشيخ في الليالي الكثيرة التي سهرها الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي والشيخ محمد الصيفي والشيخ محمد رفعت, وذات ليلة كان الشيخ أحمد متعبًا , فحل محله الشيخ أبو العينين, وسمعه الشيخ محمد رفعت فأعجب به, وتنبأ له بمستقبل باهر, ثم لم يلبث الشيخ أن نزح الى القاهرة وكان ذلك في عام 1942م, فلقد سمعه رجل من رجال القصر الملكي, فاستدعاه ليقرأ في الإذاعة ومنذ ذلك الحين والشيخ أبو العينين لايفارق الشيخ رفعت, الذي اتخذ منه تلميذا له واتخذ الشيخ أبو العينين من القاهرة مقرًا له , ولم يلبث أن نزح إليها شقيقه أحمد بعد أن اعتزل القراءة في المنصورة وعاش ليرعى شئون أخيه .
وفي عام 1948 م بلغ أجر الشيخ أبو العينين مائة جنيه في الليلة الواحدة وأصبح يتقاضى خمسة وعشرين جنيهًا عن كل إذاعة له من محطة القاهرة, وهو مبلغ لم يصل إليه في تلك الأيام سوى أربعة من كبار القراء كمصطفى إسماعيل وعبد الفتاح الشعشاعي ومحمد الصيفي والشيخ أبو العينين شعيشع .
وسافر الى بغداد في أيام الملكية وتقاضى ثلاثة آلاف جنية, وفي عام 1952م استدعته الإذاعة المصرية ليقوم بتكملة أشرطة الشيخ محمد رفعت بعد وفاته, والذين يستمعون الأشرطة الآن لايستطيعون ببساطة تمييز صوت الشيخ أبو العينين أثناء التلاوة وذلك أن الشيخ شعيشع كان يقرأ بطريقة الشيخ محمد رفعت وكان قبل وفاة الشيخ رفعت يقرأ الشيخ أبو العينين بطريقة الشيخ رفعت وكان رفعت يرضى عنها كثيراً .
وكان الشيخ أبو العينين في ذلك الوقت يرتدي الكاكولا والطربوش, مخالفًا بذلك الزي التقليدي للمشايخ القراء ولكنه اضطر إلى خلع الطربوش عندما زار تركيا, وكان مندوب السفارة المصرية في انتظاره بالمطار, وحذره المندوب من ارتداء الطربوش في اسطنبول لأن عقوبة ارتدائه السجن, فخلع الشيخ الطربوش وتعمم بمنديل ثم تعمم بعد ذلك بشال أبيض .
وفي بداية الستينات أصيب الشيخ بمرض خطير أثر على حباله الصوتية فلم يستطع القراءة, ومن ثم مات أخوه الشيخ أحمد الذي كان له بمثابة الوالد, ولكن الشيخ استطاع بالصبر والتوكل على الله أن يهزم المرض, وعاد الى القراءة من جديد, ويسافر كل عام إلى الخارج ليقرأ في ليالي رمضان المبارك في كثير من بلدان العالم الإسلامي, وأشرطته تسجل أرقامًا عالية في التوزيع .
وللشيخ جولات واسعة في ريف مصر لاكتشاف المواهب الجديدة, وله رأي في عدم وجود أصوات جديدة واعدة .
والسبب في رأيه بأن الكتاتيب اختفت في الريف, كما أن أكل البلاستيك والماء الملوث واستخدام الأسمدة الكيميائية أثرت عضويًا على صحة الإنسان وكان الشيخ دائمًا مايصف قراء اليوم بأكلة البلاستيك ! .
هو صاحب أطول رحلة قرآنية عرفتها دولة التلاوة، فقد قرأ آيات القرآن الكريم باقتدار وتفرد على مدار 75 عامًا، عاصر خلالها أساطين القراء، أمثال محمد رفعت، وعبد الفتاح الشعشاعي، ومصطفى إسماعيل، وكامل يوسف البهتيمي، ليختم حياته شيخًا للقراء بالديار المصرية، ونقيبًا للقراء المصريين.
في سن مبكرة، شغف الطفل أبو العينين بالقراء والمنشدين الكبار، وانشغل بمتابعتهم وتقليدهم عن دراسته، وأجمع مدرسوه على أنه لن يفلح في مساره التعليمي، وأن مستقبله سيكون زاهرًا في ميدان التلاوة، وكانت انطلاقته الكبرى حينما قرأ القرآن في محفل كبير بمدينة المنصورة، عام 1936، ولم يتجاوز عمره 14 عامًا.
ذاع صيت شعيشع في المحافظات المجاورة، وبعد 3 سنوات فقط اعتمد قارئًا في الإذاعة، ليصبح أحد أهم نجوم التلاوة، من أصحاب الأصوات العبقرية، حيث لم يكن هناك مكان إلَّا للعباقرة، في ظل قوانين للفرز لا تعرف المحاباة ولا الواسطة، ومنحته الإذاعة المصرية 25 جنيهًا عن كل تلاوة تبثها، وهو أجر كبير جدًّا لم ينله حينها إلَّا مصطفى إسماعيل، وعبد الفتاح الشعشاعي، ومحمد الصيفي، وفي عام 1948 بلغ أجر الشيخ 100 جنيه في الليلة، بعد أن أصبح أحد قراء القصر الملكي.
كان أبو العينين شعيشع متأثرًا في تلاوته بطريقة الشيخ محمد رفعت، وكانت لديه قدرة كبيرة جدًّا على تقليده، إلى درجة أن الإذاعة استعانت به لإكمال بعض الكلمات في تسجيلات الشيخ رفعت التي تعرضت للتلف، وقد أدى شعيشع المقاطع المرادة بدقة كبيرة، لا يمكن خلالها تمييز الفارق بين صوته وصوت رفعت إلَّا للمتخصصين وكبار المهتمين بأصوات القراء، كان ذلك عام 1952، وقد بلغ الشيخ ثلاثين عامًا، وصوته في القمة من الجمال والقوة.
بدأت أولى رحلات أبو العينين شعيشع إلى الخارج عام 1940، حيث طلبته إذاعة الشرق الأدنى بالقدس لتلاوة القرآن عبر أثيرها، وفي منتصف الأربعينات تلقى الشيخ دعوة رسمية لزيارة العراق لإحياء مأتم ملكي، وسافر إلى بغداد بصحبة القارئ الكبير عبد الفتاح الشعشاعي، وتلقى أجرًا مقداره 3 آلاف جنيه نظير تلاواته الساحرة المبهرة، ومن وقتها لم تتوقف زيارات شعيشع للخارج، فكان أول قارئ مصري يتلو القرآن في المسجد الأقصى، وقرأ كذلك في المسجد الحرام، والمسجد الأموي بسوريا، والمركز الإسلامي بلندن، وزار كل الدول العربية والإسلامية.
مع الخبرة والنضج، اتضحت معالم تلاوة شعيشع، وتأكد تحرره من أثر محمد رفعت، واتسمت طريقته بأنها نمط صعب فريد، يستعصي على المحاكاة والتقليد، فهي “تلاوة جوفية”، تعصر الحروف عصرًا، ولها رنين وبريق ولمعان، فصوت شعيشع من الأصوات “المعدنية”، وهو فنان في انتقالاته النغمية، وأداؤه أخاذ قوي، لاسيما في منطقة الجوابات.
ولطول الرحلة القرآنية لأبو العينين شعيشع، فقد مر صوته بعدة مراحل، وكانت الحقبة الذهبية له خلال عقدي الأربعينات والخمسينات، حيث كانت تزدحم المساجد والسرادقات بالجماهير الغفيرة من محبيه، وفي أوائل الستينات، أصيب بمرض في حنجرته، ورغم ذلك، واصل الشيخ تلاوته للقرآن، مراعيًا ما طرأ على صوته من وهن يمنعه من الأداء على السمت الأول، لكن اللمعة بقيت في صوته، فتواصلت رحلاته للخارج، وظلت تسجيلاته تحقق أرقامًا عالية من المبيعات.
ومع تقدم السن، وبعد أن جاوز الشيخ سبعين عامًا، جاءت المرحلة الثالثة لصوت شعيشع، مرحلة الوهن والضعف، التي استمرت قرابة عقدين من الزمان، واصل خلالهما الشيخ تلاوة القرآن، مع حرص على اختيار السور ذات الآيات القصيرة، فلم يكن بمقدور القارئ الكبير أن يعتزل، فالدعوات تأتيه من كل مكان، وأوساط المستمعين تنظر إليه باعتباره البقية الباقية من جيل الرواد العمالقة، لاسيما بعد أن خلت الساحة من الأصوات القديرة والمواهب الفذة، فلم يكن من السهل التفريط في صوت زامل محمد رفعت والشعشاعي، وكان علمًا خفاقًا منذ الثلاثينات.
وقد ترك شعيشع ثروة كبيرة من التسجيلات الخالدة، التي تعد ضمن أنفس ما تضمه المكتبة القرآنية، ومن أهم تسجيلاته المعروفة والمشتهرة بين المستمعين، تلاوته من سورة آل عمران، من أول قوله تعالى “إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين”، حيث بلغ الشيخ ذروة الأداء الفخم العظيم المستحيل، وكذلك لا ينسى المستمعون تلاوته لسورة القصص، من قوله تعالى “ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين”، وهي من التسجيلات العظيمة في تاريخ دولة التلاوة.
عام 1969 عين شعيشع قارئًا لمسجد عمر مكرم، وبذل جهدًا كبيرًا مع الشيخ عبد الباسط عبد الصمد لإنشاء نقابة القراء، التي أصبح على رأسها عقب رحيل عبد الصمد عام 1988، وفي عام 1992 عين قارئًا لمسجد السيدة زينب رضي الله عنها، كما عُيِّن الشيخ عضوًا بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وعضوًا بلجنة اختبار القراء بالإذاعة والتليفزيون، واختير عميدًا للمعهد الدولي لتحفيظ القرآن الكريم، وعضوًا باللجنة العليا للقرآن بوزارة الأوقاف، وعضوًا بلجنة عمارة القاهرة.
وقد اهتم أبو العينين شعيشع، بالبحث عن المواهب الجديدة، وتقديم أصوات مميزة من القراء الشبان، لكن اهتمامه الأكبر انصب على استعادة الأصوات النسائية، وفتح المجال مرة أخرى أمام قارئات القرآن المجيدات، فقد عاصر الشيخ عهدًا ذهبيًّا للإذاعة، كانت تبث فيه تلاوات الشيخة كريمة العدلية، ونبوية النحاس، وسكينة حسن، وغيرهن من المقرئات المعروفات حينئذ.
لكن الشيخ تعرض عام 2009 لحملة سلفية ضارية، تحت راية فقه ضيق يرى أن صوت المرأة عورة، وأن بث تلاوتها على الرجال حرام شرعًا، ومع الأسف، لم يجد الشيخ نصيرًا من الأزهر أو الأوقاف، فطوى الملف إلى أجل غير مسمى، وأغلق الباب الإذاعي أمام مواهب صاعدة من القارئات الفتيات اللائي تلقين تدريبًا ممتازًا، وامتلكن موهبة حقيقية.
نال شعيشع أوسمة رفيعة من معظم الدول العربية والإسلامية، ومن أهمها وسام الأرز من لبنان، ووسام الاستحقاق من سوريا، ووسام الرافدين من العراق، كما كرمته الإمارات العربية المتحدة والصومال وتركيا وباكستان وإيران.
قرأ شعيشع 75 عامًا متصلة.. واعتمد إذاعيًّا وعمره 17 عامًا
توفي يوم الخميس 21 رجب 1432 هـ الموافق 23 يونيو 2011م عن عمر يناهز 88 عامًا، بعد أن ترك إرثًا ضخما من التسجيلات القرآنية الخالدة.
المصدر : النيل للأخبار