أكد الرئيس التونسى محمد الباجي قايد السبسي أن مجلس وزراء الداخلية العرب بلغ قدرا كبيرا من النضج، وأصبح دوره فاعلا فى تحقيق التعاون الأمنى المشترك بين مختلف الدول العربية لتحقيق التنمية الشاملة للشعوب العربية.
جاء ذلك خلال الكلمة التى ألقاها وزير الداخلية التونسى الهادى المجدوب، نيابة عن الرئيس التونسى، فى الجلسة الافتتاحية للدورة الـ34 لمجلس وزراء الداخلية العرب، والتى تعقد بتونس حاليا، بحضور أحمد أبوالغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، واللواء مجدى عبدالغفار وزير الداخلية، ووزراء الداخلية فى الدول العربية، ووفود أمنية رفيعة المستوى، إضافة الى ممثلين عن جامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجى، واتحاد المغرب العربى، والمنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول)، والمنظمة الدولية للحماية المدنية، والمنظمة العربية للسياحة، والهيئة العربية للطيران المدنى، وجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية والاتحاد الرياضي العربى للشرطة.
وأضاف أن الدورة الـ34 لمجلس وزراء الداخلية العرب تعقد فى ظل أوضاع إقليمية متوترة، نتيجة تزايد وتيرة الإرهاب، وهو ما يحتم على الجميع تسخير جميع الامكانيات المتاحة لمكافحة الإرهاب، مشيرا إلى أن التحديات الحالية تتطلب مضاعفة الجهود وتكثيف التعاون بين الدول العربية لمواجهة تلك التحديات.
وأشار إلى أن المنطقة العربية شهدت فى السنوات الأخيرة بروز تيارات دينية عنيفة ومتشددة، وتمكنت هذه التيارات من توسيع أنشطتها، مما أبرز جماعات أكثر عنفا وأكثر دموية، موضحا أن هذه الجماعات اعتمدت على استراتيجية إعلامية متطورة،من خلال توظيف مواقع التواصل الاجتماعى لتجنيد الشباب وإقناعهم بفكرهم المتطرف، وهو ما يتطلب مضاعفة الجهود فى ذك المجال للسيطرة على ذلك الخطر المتنامى.
بدوره، ثمن أحمد أبوالغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، أهمية مجلس وزراء الداخلية العرب، فى تعضيد التعاون الأمنى بين الدول العربية، لمواجهة شتى الأخطار التى تواجه الأمة العربية.
وأضاف أبوالغيط أن المجتمعات العربية شهدت خلال السنوات الأخيرة العديد من التحولات السياسية، التى استغلتها عصابات الارهاب، لتدمير بنية الدول وتعريض حياة مواطنيها للخطر، بالإضافة الى انتشار الجرائم المتطورة فى الدول العربية، وهو ما وضع الأجهزة الأمنية العربية فى تحديات غير مسبوقة، ويزيد أعمال الدورة الحالية أهمية.
وأشار الى أن تحقيق الأمن هو الغاية الأساسية للمجتمعات جميعا، مؤكدا أن المجتمعات لن تنعم بالتنمية، أو التطور بدون الأمن، الذى يعد العامل الأساسى والحاسم فى جذب الاستثمارات الأجنبية، وهو ما يزيد من حجم التحديات الملقاة على عاتق رجال الأمن فى الدول العربية.
وطالب بزيادة التعاون والتنسيق بين أجهزة انفاذ القانون، والكيانات الرسمية وغير الرسمية فى الدول العربية، مثمنا التعاون بين مجلسى الوزراء والعدل العرب، لمواجهة الارهاب، والفساد، والاتجار بالبشر.
وطالب الأمين العام لجامعة الدول العربية بتطوير منظومة مكافحة الارهاب فى الدول العربية، مشيرا الى أن التصدى لخطر الجماعات الارهابية، لن يكون من خلال المنظور الأمنى فقط، ولكن لابد من تكامل الجهود، من خلال العمل على توعية الشباب بأصول الدين الاسلامى الحنيف، لابعادهم عن الفكر المتطرف الذى طالما اقترب بالعقول الارهابية.
وحذر أبوالغيط من خطورة التطور الهائل فى أجهزة الاتصالات، والتى دأبت العناصر الارهابية على استخدامه مؤخرا لتحقيق أغراضهم الخسيسة فى تهديد وترويع الأبرياء، مؤكدا ضرورة العمل على مواجهة تلك الأخطار من قبل الأجهزة الأمنية العربية المتخصصة.
وطالب مجلس وزراء الداخلية بتنفيذ التكليف الصادر من القمة العربية التى عقدت الشهر الماضى بالأردن، والخاص بتوقيع اتفاقية للتأشيرة العربية الموحدة لأصحاب الأعمال والمستثمرين العرب، لما له من تأثر كبير على حركة التجارة البينية بين الدول العربية وتشجيع الاستثمار فيما بينها، بما يحقق التنمية الشاملة للأمة العربية.
ومن جانبه، استعرض الدكتور محمد بن على كومان الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب، تقريرا عن أعمال الأمانة العامة بين دورتى المجلس الـ33 والـ34.
وقال الدكتور كومان “إن انعقاد الدورة الـ34 لمجلس وزراء الداخلية العرب، يأتى فى وقت تتزايد فيه مخاطر الإرهاب، الذى يحاول عرقلة مسيرة الشعوب العربية وترويع مواطنيها، مشيرا إلى أن الأجهزة الأمنية العربية تقف بالمرصاد لذلك الخطر، بل تعمل على بذل كل الجهود والتضحيات من أجل مواجهة الإرهاب والقضاء عليه”.
وأعرب عن شكره لوزير الداخلية البحرينى رئيس الدورة الـ33 لمجلس وزراء الداخلية العرب، لدعمه الكبير لأنشطة الأمانة العامة للمجلس، كما أعرب فى الوقت نفسه عن التوفيق إلي وزير الداخلية التونسى فى رئاسته للدورة الـ34.
ومن جانبه، أكد الفريق الركن راشد بن عبدالله آل خليفة وزير داخلية البحرين أن انعقاد الدورة الحالية يأتى بعد القمة العربية التى عقدت فى الأردن، والتى هدفت إلى دعم التضامن العربى إزاء القضايا المهمة التى تموج بها الساحة العربية، وفى مقدمتها الأمن.
وأضاف أن المنطقة العربية تعيش حاليا مرحلة غير مسبوقة من الاضطرابات الأمنية، وهو ما يؤدى إلى عرقلة برامج التنمية، ويشكل استهدافا واضحا للكيان العربى الواحد، الذى يعد مصدر قوة العرب.
وأشار إلى أن البحرين تمكنت مؤخرا من إحباط العديد من العمليات الإرهابية، التى تقف ورائها عناصر خارجية من إيران والعراق، لافتا إلي أنها تعمل على مكافحة الإرهاب بكل ما أوتيت من قوة من خلال العمل على تجفيف منابعه ومحاصرة عناصره، معربا عن شكره فى الوقت نفسه إلى جميع الدول العربية التى دعمت حرب البحرين على الإرهاب.
ودعا وزير الداخلية البحرينى، فى نهاية كلمته، نظيره التونسى الهادى المجدوب إلى تولى رئاسة الدولة الـ34 لمجلس وزراء الداخلية العرب.
من جانبه، نقل اللواء مجدى عبدالغفار وزير الداخلية تحيات الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى المشاركين فى أعمال الدورة الـ34 لمجلس وزراء الداخلية العرب، موجها الشكر فى ذات الوقت إلى الرئيس التونسى محمد الباجي قايد السبسي، لرعايته السامية للمؤتمر.
وقال اللواء عبد الغفار “نجتمع اليوم وتحدونا الآمال والتطلعات بأن تهدأ التحديات، وتتضاءل المؤامرات التى تحاك لأوطاننا، وتتراجع الأطماع والنوايا السيئة، والمخططات الهدامة التى تدبر فى الخفاء والعلن، وهو ما يفرض علينا التحرك بكل الجهد، متمسكين بعزيمتنا القوية، وإيماننا الراسخ بنبل رسالتنا وعدالة قضيتنا، مستهدفين سلامة تراثنا الوطنى وأمن شعوبنا”.
وأكد أن تلك المؤامرات والمواقف المتباينة والمعايير المزدوجة قد فرضت على الأمة العربية طريقا مشوبا بالأخطار، لافتا الى أنها هددت المجتماعت العربية، وبنيتها الأساسية وتركيبتها السكانية، واستهدفت المؤسسات الأمنية والسياسية والاقتصادية، بل أنها سعت لإثارة النزاعات الطائفية والمذهبية التى تأتى على الأخضر واليابس.
وأشار اللواء عبدالغفار، فى الوقت نفسه، إلى أن تلك المواقف خلقت بيئة خصبة حاضنة وراعية للإرهاب، وأوجدت ملاذا آمنا لتنظيماته وعناصره، وأغدقت عليه بالمال، ووفرت له أحدث الامكانات والسلاح.
وأضاف أن موجة الإرهاب غير المسبوقة التى تشهدها المنطقة، تمثل واقعا لا يمكن أن يغيب عنه بحال حجم المؤامرة التى تتعرض لها الأمة العربية، إقليميا ودوليا، حتى أحيطت بمحنة لم يشهدها العالم منذ زمن بعيد، موضحا أن إعادة قراءة التاريخ، ترسخ يقينا بأن يد الإرهاب الغاشم سترتد حتما على تلك الدول التى غذت انطلاقه ودعمت وجوده.
وأوضح أن استخدام الإرهاب بمختلف كياناته ومسمياته لأسباب ذات أبعاد متباينة وتسخيرها لغزو عقول الشباب تحت مظلة الدفاع عن الدين، يجعل من تجفيف منابع الإرهاب واقتلاع جذوره مسئولية مشتركة، تقتضى رؤية عربية بل ودولية شاملة تتسع فيها دوائر المواجهة، ويتضافر فيها الجهد الأمنى المباشر مع جهود مكافحة الفقر والجهل، وإحداث تنمية حقيقية، وتجديد الخطاب الدينى لنشر مفاهيم الوسطية والاعتدال.
كما أكد اللواء عبدالغفار أن الواقع الاستثنائى للإرهاب وسيطرته على رقعة كبيرة من الأرض، مآله إلى الزوال، مشددا على أن تحقيق النصر على الإرهاب يستلزم اعتماد استراتيجية شاملة تتوحد فيها كل الجهود، سواء الإقليمية أو الدولية لمحاربته على كافة جبهاته، ومواطنه دون استثناء، وتقطع منابع تمويله ودعمه دون تردد.
وبين أن خطة وزارة الداخلية المصرية فى مكافحة الإرهاب، اعتمدت على تفعيل جهود كافة أجهزة الوزارة وفق نسق متكامل الدوار، موحد الهدف لمكافحة الارهاب وتجفيف منابعه وروافد دعمه على كافة المستويات، والاعتماد على مبدأ الحسم الأمنى، والإجهاض المبكر لحركة التنظيمات الإرهابية، وإحباط مخططاتها العدائية فى إطار القانون، ودون أية إجراءات استثنائية، وكذلك إحكام السيطرة الأمنية على الموانىء الجوية والبحرية والمنافذ البرية، والاستعانة بكافة أساليب وتدابير المواجهة الأمنية المتطورة فى مكافحة الإرهاب.
وتابع وزير الداخلية “إن الخطة تعتمد أيضا على تفعيل دور الإعلام الأمنى ووسائل الإعلام المختلفة، للارتقاء بالوعى لدى المواطنين، وتعميق إدراكهم بخطورة الأفكار المتطرفة والتهديدات التى تشكلها التنظيمات الإرهابية على أمن واستقرار البلاد، وتعزيز التعاون الإقليمى والدولى فى كافة المجالات المتصلة بعمليات المواجهة”.
ونوه بأن وزارة الداخلية تسعي لصياغة استراتيجية أمنية شاملة للارتقاء بالمنظومة الأمنية بشكل متكامل، لتحقيق تطلعات المواطنين فى إقامة دولتهم العصرية الديمقراطية، والتى ارتكزت أبرز محدداتها على تحقيق الاستقرار الأمنى بمفهومه الشامل لمكافحة الجرائم ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لحماية مقدرات الوطن وتهيئة المناخ الآمن للاستثمارات الوطنية والأجنبية، والتطور التكنولوجى لكافة عناصر المنظومة الأمنية، للنهوض بالآداء الأمنى فى مختلف المجالات، فضلا عن استكمال منظومة ميكنة الخدمات الشرطية المقدمة للمواطنين، والارتقاء بالدعامة البشرية وفق أحدث المعايير والنظم التدريبية، بالإضافة إلى تعظيم مفاهيم ومبادى حقوق الإنسان فى كافة مجالات العمل الأمنى، وتفعيل أطر المشاركة المجتمعية.
وشدد علي أن أبناء مصر من رجال الشرطة الأبطال، ورجال القوات المسلحة البواسل، يسطرون اليوم ملاحم وطنية جديدة بإصرارهم وعزيمتهم على تطهير البلاد من دنس الإرهاب مهما بلغت فى ذلك الصعوبات وعظمت التضحيات، معربا عن تحيته لكل الشهداء الأبرار والمصابين الذين كتبوا بدمائهم الذكية أعظم معانى البطولة والفداء، صونا لأمن وطنهم واستقراره.
كما شدد على إدراك مصر لأهمية العمل العربى المشترك، لتجاوز التحديات الأمنية الراهنة، التى تحالفت فيها الجرائم الإرهابية مع الجرائم المنظمة العابرة للحدود الوطنية، مما يفرض على الأجهزة الأمنية العربية قدرا أعلى من التعاون وتكامل الجهود، خاصة فى مجالات تبادل المعلومات والخبرات وبناء القدرات، وهو ما يستلزم صياغة منظور عربى شامل للتعامل مع الشركات العالمية للاتصلات وشكات الإنترنت، بما يعزز جهود الأجهزة الأمنية العربية فى منع استغلال مواقع التواصل الاجتماعى كساحة مفتوحة تستخدمها التنظيمات الإرهابية للتنسيق والتدريب والتجنيد والترويج لثقافة التطرف والعنف، فضلا عن الحصول على التمويل المادى والدعم المعنوى.
ومن جانبه، دعا الدكتور رامى وليد حمد الله وزير الداخلية الفلسطينى، الدول الأعضاء بمجلس وزراء الداخلية العرب إلى دعم أجهزة الشرطة الفلسطينية، سواء من حيث منظومة التدريب أو التسليح، للتصدى لمختلف التحديات التى تواجهها.
وبدروه، أكد وزير الداخلية اليمنى أن بلاده تخوض الآن حربا شرسة ضد عناصر الإرهاب الأسود، التى تحاول إدخال البلاد فى نفق مظلم، مشيرا إلى أن الأجهزة الأمنية اليمنية حققت نجاحات كبيرة فى حربها على الإرهاب، على الرغم من ضآلة الامكانيات المتاحة لها.
ومن ناحيته، دعا وزير الداخلية الليبى الدول الأعضاء بمجلس وزراء الداخلية العرب إلى الاهتمام بمكافحة الهجرة غير الشرعية، وزيادة أطر التعاون والتنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية العربية، لمواجهة خطر الإرهاب الذى أصبح يمتد عبر الدول وبعضها البعض، بالإضافة إلى العمل على ضبط الحدود فيما بين الدول للتصدى لخطر الهجرة غير الشرعية.
وأعلن الهادى المجدوب وزير الداخلية التونسي ورئيس الدورة الـ34 لمجلس وزراء الداخلية العرب، عقب انتهاء كلمات وزراء داخلية الدول العربية، رفع الجلسة الافتتاحية استعدادا لعقد جلسة مغلقة بين الدول الأعضاء، تمهيدا لإصدار التوصيات الخاصة بالدورة الـ34 للمجلس.
المصدر : أ ش أ