عيد الشرطة المصرية.. العيد الذي قرره أول وزير داخلية لمصر عقب ثورة 23 يوليو ، وكان هو نفسه الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر زعيم الثورة، الذي قرر تخليد ذكرى موقعة الإسماعيلية في 25 يناير 1952 ، وهي الموقعة التي واجه فيها “البوليس المصري” جنود الاحتلال الإنجليزي آنذاك، وخرجوا في نهاية الموقعة مرفوعي الرأس بعد نفاد ذخيرتهم، يؤدي لهم العدو التحية العسكرية.
25 يناير من كل عام ” عيد الشرطة المصرية ” ، الذى أصدرت الحكومة المصرية قرارً اعتباره أجازة رسمية ، تخليداً لذكري موقعة الإسماعيلية 1952 التي راح ضحيتها 50 شهيدا و80 جريحا من رجال الشرطة المصرية علي أيدي الاحتلال الإنجليزي في 25 يناير عام 1956 بعد أن رفض رجال الشرطة بتسليم سلاحهم وإخلاء مبني المحافظة للاحتلال الإنجليزي.
تعتبر موقعة الإسماعيلية ضمن سلسلة النضال الوطني الذي ثار كالبركان عقب إلغاء معاهدة 1936 ، حيث أعلن رئيس الوزراء مصطفى النحاس فى 8 أكتوبر 1951 إلغاء المعاهدة أمام مجلس النواب.
وفي غضون أيام قليلة اتجه شباب مصر إلى منطقة القناة لضرب المعسكرات البريطانية ، واشتعلت المعارك بين الفدائيين والاحتلال.
وفى صباح يوم الجمعة الموافق 25 يناير عام 1952 استدعي القائد البريطاني بمنطقة القناة ضابط الاتصال المصري ، وسلمه إنذارا لتسلم قوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية أسلحتها للقوات البريطانية ، وترحل عن منطقة القناة وتنسحب إلى القاهرة.
ورفضت المحافظة الإنذار البريطاني وأبلغته إلى فؤاد سراج الدين، وزير الداخلية في هذا الوقت، والذي طلب منها الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام.
وأمر القائد البريطاني قواته بمحاصرة قوات شرطة الإسماعيلية وأطلق البريطانيون نيران مدافعهم بطريقة وحشية لأكثر من 6 ساعات، في الوقت التي لم تكن قوات الشرطة المصرية مسلحة إلا ببنادق قديمة الصنع.
ونتيجة لذلك أقامت ثورة يوليو 1952 نصبًا تذكاريا بمبني بلوكات النظام بالعباسية تكريما لشهداء الشرطة .
وتم إقرار هذه الإجازة الرسمية لأول مرة بقرار من الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك باعتبار هذا اليوم إجازة رسمية للحكومة والقطاع العام المصري تقديرًا لجهود رجال الشرطة المصرية في حفظ الأمن والأمان واستقرار الوطن واعترافًا بتضحياتهم في سبيل ذلك ، وتم الإقرار به في فبراير 2009.
“تفاصيل” موقعة الإسماعيلية :
كانت منطقه القناة “الإسماعيلية – السويس – بورسعيد” تحت سيطرة القوات البريطانية بمقتضى اتفاقيه 1936، وانسحبت من باقي القطر المصري ، حينها نفذ المصريين شعبا ودولة هجمات فدائية ضد القوات البريطانية داخل منطقه القناة، ما كبد قوات العدو خسائر بشرية ومادية ومعنوية .
لم يكن بين جماعات الفدائيين بادئ الأمر تنسيق حتى تدخل البوليس المصري ونسق بينهم، الأمر الذي انعكس بإحداث مزيد من الخسائر في جانب القوات البريطانية، وكانت مجموعات الفدائيين مكونة من كافه طوائف الشعب المصري من فلاحين وعمال وطلبه جامعات وغيرهم، كما كانت مدن القناة مقسومة إلى حيين، حيى أفرنجي يسكنه الإنجليز والآخر بلدي و يسكنه المصريون.
وبعد كثره الهجمات على قوات الاحتلال قامت القوات البريطانية بترحيل أهالي الحي البلدي في الإسماعيلية خارج المدينة، إلا أن ذلك لم يؤثر على الفدائيين بل زاد هجماتهم شراسة و كلها بالتنسيق مع قوات البوليس المصري – كما كان يطلق عليه آنذاك-.
وفطنت قوات الاحتلال في ذلك الوقت إلى دور البوليس المصري في الهجمات الموجهة إليهم من الفدائيين، فأصدر قائد قوات الإنجليز في الإسماعيلية “اكس هام” حينها أوامره التي وجهها إلى أعلى رتبة في “البوليس المصري، الملازم أول مصطفى فهمي بأن يخرج كافة أفراد الشرطة المصرية من مدن القناة وأن يتركوها قبل فجر يوم25/1/1952.
وعندما ذهب بعد ذلك أفراد البوليس المصري إلى مقر عملهم في مبنى المحافظة وجدوا قوات الاحتلال تطالبهم بإخلاء المبنى خلال 5 دقائق وترك أسلحتهم داخل المبنى، وهددوهم بمهاجمة مبنى المحافظة إذا لم يستجيبوا للأوامر.
وما كان من الملازم أول مصطفى فهمي سوى الرد بعزة وكرامة: “إذا أنت لم تأخذ قواتك من حول المبنى سأبدأ أنا الضرب لأن تلك أرضي وأنت الذي يجب أن ترحل منها ليس أنا”، وتركه ودخل إلى مبنى المحافظة وتحدث إلى جنوده وإلى الظابط الملازم أول عبد المسيح- لقائد الثاني بالبوليس- وقال لهم ما دار بينه وبين”اكس هام”، فما كان منهم إلا أن رفضوا الاستسلام وقالوا: “سندافع عن هذا المبنى لآخر جندي فينا”، مع علمهم بعدم التكافؤ بينهم وبين قوات الاحتلال الذين يحاصرون المبنى بالدبابات وأسلحه أكثر تقدما من بنادق ورشاشات وقنابل في مقابل بنادقهم القديمة.
وفي تلك الأثناء نادى عامل “سويتش التليفون” على الملازم أول مصطفى فهمي ليتحدث إلى التليفون وكان يوجد على خط التليفون وزير داخلية مصر آنذاك سراج باشا فؤاد الدين، وتحدث إليه فؤاد باشا وقال إن معلومات وصلته تفيد بأن القوات البريطانية تحاصر مبنى المحافظة فماذا انتم فاعلون، فرد عليه الملازم أول بنبرة فدائيه بأنه هو وجنوده لن يستسلموا مهما كانت العواقب وحتى آخر جندي فيهم، فما كان من فؤاد باشا سراج الدين إلى أن يقول له “الله معكم وينصركم”.
وعقب انتهاء المكالمة خروج الملازم أول مصطفى فهمى من غرفه التليفون فإذا بقذيفة دبابة تدمر تلك الغرفة واستشهد على الفور عامل التليفون لتكون هي بداية المعركة والاشتباكات التي أسفرت عن إصابة العديد من أفراد البوليس واستشهاد آخرين.
وخرج الملازم أول مصطفى فهمى إلى “اكس هام” وتوقفت الاشتباكات وظن الإنجليز إن الجنود سيستسلمون ولكن فوجئ”اكس هام” بأن قائد البوليس المصري يطلب منه إحضار الإسعاف لإنقاذ المصابين وإخلائهم، الطلب الذي قابله “اكس هام” بالرفض واشترط الاستسلام أولا، إلا أن القائد المصري هو الذي رفض الفكرة هذه المرة، وعاد إلى جنوده وظلت الاشتباكات متقدة وكثر المصابين بالإصابات البالغة والشهداء.
وفي ظل تلك الاشتباكات تسلل أهل الإسماعيلية إلى مبنى المحافظة لتوفير الغذاء والذخيرة والمسدسات رغم حصار الدبابات الانجليزية للمبنى واستشهد وأصيب منهم العديد.
وعند قرب انتهاء الذخيرة ورفض قوات البوليس الاستسلام قرروا أن يقرأوا الفاتحة و”الشهادتيين” و يرددونها استعدادا للاستشهاد الذي لا مفر منه، إلا أنه في لحظة قرر الملازم أول مصطفى فهمي قتل “اكس هام” للتخلص من الحصار، و خرج ليفاجأ برتبه من الجيش الإنجليزي غير “اكس هام” يقدم له التحية العسكرية، فبادله “فهمي” التحية وتبين أن تلك الرتبة هو “الجنرال ماتيوس” قائد القوات البريطانية في منطقه القناه بالكامل.
وتحدث الجنرال ماتيوس إلى القائد المصري، و حياه على ما استقتتالهم البطولي للحفاظ على مبنى المحافظة رغم إمكانياتهم القتالية المتواضعة، و دعاه للاستسلام بشرف مثلما دافعوا عن مكانهم بشرف، فوافق الملازم أول مصطفى فهمي على ذلك مع الموافقة على شروطه وهي أن ينقل المصابيين لإسعافهم فورا، وأن يخرج الجنود بشكل عسكري يليق بهم لا أن يرفعوا أيديهم على رؤوسهم، مع تركهم الأسلحة داخل المبنى، فوافق الجنرال ماتيوس، وخرج قوات البوليس بشكل يليق بهم في طابور منظم.
وفقدت مصر واستشهد من أفراد البوليس المصري في ذلك اليوم ما لايقل عن 80 جندياً ,وأصيب أكثر من 120 جندياً قاتلوا ببسالة ووقفوا أمام المحتل الأجنبى رافضين الاستسلام مهما كلفهم ذلك من تكلفه ، بمساندة قوية من شعب الاسماعيلية.