بينما يحبس العالم أنفاسه، تتوسع العمليات البرية الإسرائيلية داخل قطاع غزة في تصعيد عسكري يتقاطع مع صراع سياسي خفي، تزداد ملامحه حدة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وبين زحف عسكري مستمر في الشمال والجنوب، تبرز خريطة ميدانية توحي بمشروع لتقسيم القطاع إلى ثلاث مناطق معزولة، وتحويله إلى جغرافيا مفككة يمكن التحكّم بها لاحقا سياسيا وأمنيا.
فقد أطلقت إسرائيل عمليتها البرية تحت مسمى “عربات جدعون”، وبدأت باجتياح شمالي نحو جباليا، وتوغلات في محيط رفح جنوبا.
المعلومات المسرّبة من مصادر إسرائيلية تكشف عن نية لتقسيم القطاع إلى ثلاث مناطق مفصولة بممرات أمنية، وتحت رقابة عسكرية مباشرة.
وقد ذكر المحلل الميداني محمود عليان أن “العملية ليست حملة ردع بل مشروع تفكيك جغرافي وسياسي”، مشيرا إلى محاولات لعزل شمال غزة عن الوسط والجنوب، وخلق واقع جديد تشارك فيه إسرائيل بصياغة مستقبل القطاع.
في الجنوب، الصورة أكثر قتامة مع استمرار القصف والتهجير وهدم المنازل
رغم شراستها، تحمل العملية البرية طابعا مرنا . فمن الممكن ان تكون حملة سياسية ميدانية تهدف إلى تعزيز أوراق التفاوض، و بالتأكيد أن إسرائيل تستخدم القوة كوسيلة ضغط في مفاوضات مستقبلية تتعلق بالأسرى، ومصير حماس، وترتيبات ما بعد الحرب.
ومع أن الرواية الإسرائيلية تركز على تحرير الأسرى ومحاربة “حماس”، إلا أن الوقائع تشير إلى تطهير ممنهج، وإعادة تشكيل ديموجرافي محتمل لقطاع غزة.
فمما لا شك فيه أن ما يحدث هو إبادة ممنهجة، لا حملة عسكرية محدودة و تسعي إسرائيل إلى تفريغ غزة من سكانها، وتدمير نسيجها المجتمعي وليس هذا فقط بل تتجاوز هذه الحرب حماس نفسها ، وتستهدف الوجود الفلسطيني بأكمله، في إطار رؤية تتبناها حكومة يمينية متطرفة ترى أن الحل يمر بالقوة الشاملة لا عبر التسويات.
و قد توقّع كثيرون أن تشهد العلاقة بين نتنياهو وترامب تنسيقا وثيقا، خصوصا بعد عودة الأخير إلى البيت الأبيض، لكن مؤشرات التوتر ظهرت سريعا. فبينما تسعى واشنطن إلى استعادة التهدئة وإعادة إعمار غزة بآلية دولية، يمضي نتنياهو في اتجاه التصعيد، غير مبالٍ بالضغوط الأمريكية.
للأسف الوضع في غزة خرج عن حدود “الممكن سياسيا وعسكريا” و تستغل إسرائيل اللحظة الإقليمية والدولية لإعادة صياغة جغرافيا القطاع، في وقت تبدو فيه إدارة ترامب عاجزة عن لجم التصعيد.
ويبقى السؤال : هل يمهّد هذا التوتر لتغير جذري في العلاقة بين تل أبيب وواشنطن؟ أم أن نتنياهو يناور لحسم معركة استراتيجية قبل العودة إلى الطاولة؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة.
المصدر : وكالات