اعتاد أهل غزة على أصوات عمال البناء وضجيج أدواتهم في شوارع غزة. أما الآن تقف هياكل ضخمة من مبان غير مكتملة البناء في صمت مريب وأصبح العمال عاطلين عن العمل لا هم لهم سوى التفكير في تدبير قوت يومهم.
أدى حصار مصري اسرائيلي على قطاع غزة الذي تديره حركة حماس الاسلامية إلى شح الموارد اللازمة للصناعة والبناء ودفع معدل البطالة إلى مستويات مذهلة وزاد من معاناة سكان القطاع الفقراء.
واشتدت حدة المشكلة بعد حملة بدأتها الحكومة المصرية المدعومة من الجيش في يوليو لاغلاق انفاق التهريب بين سيناء وغزة والتي تستخدم لتزويد القطاع بالسلع الاساسية من غذاء ووقود ومواد بناء.
وقال الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني إن معدل البطالة قفز إلى 38.5 في المئة في نهاية العام الماضي من 32 في المئة في الربع الثالث.
ودفع هذا الوضع بحركة حماس التي تعتبرها كثير من الدول الغربية حركة ارهابية إلى أزمة مالية وسياسية.
وكان الدعم الذي تلقته حركة حماس من الانتفاضات العربية التي أسفرت عن تولي الاخوان المسلمين الحكم في القاهرة سببا في إعراض حماس عن داعميها السابقين في ايران وسوريا. لكن عندما عزل الجيش المصري الحكومة الاسلامية في يوليو الماضي أصبحت حماس في عزلة.
وفي ضوء تشبثها بالاسلحة التي جعلتها منظمة ارهابية في العالم الغربي اضطرت حماس إلى استكشاف امكانية اجراء اصلاحات اقتصادية بما في ذلك الخصخصة على أمل التخفيف من حدة المشاكل الكثيرة.
ويرتشف رجل الأعمال محمد أبو عز الشاي ويدخن سيجارة وهو يجلس بجوار مبنى سكني ضخم لم يستطع اتمام بنائه بسبب نقص الاسمنت.
يقول محمد وقد ارتسم التجهم على وجهه “40 اسرة تنتظر منذ خمسة أشهر للانتقال إلى هنا. أغلبهم دفع ثمن شققهم بالكامل وأنا لا أستطيع تسليمهم.”
وتقع غزة بين مصر واسرائيل ولها ساحل بطول 40 كيلومترا على البحر المتوسط. وشددت اسرائيل الحصار عندما استولت حماس على السلطة في القطاع في حرب قصيرة عام 2007 تغلبت فيها على قوات الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يدعمه الغرب.
واعتادت البضائع الواردة من اسرائيل أن تمثل بين ثلث ونصف واردات القطاع ويصل الباقي عبر الانفاق على الحدود المصرية.
وعلى مدى الأشهر الستة الأخيرة دمرت مصر العديد من الانفاق التي كانت شريان حياة لسكان القطاع البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة.
وتتهم مصر حماس بدعم مجموعات متشددة على صلة بتنظيم القاعدة صعدت هجماتها على قوات الامن المصرية في شبه جزيرة سيناء خلال الاشهر القليلة الماضية. وامتد العنف إلى القاهرة ومدن أخرى.
وينفي قادة حماس ذلك ويقولون إن أسلحتهم موجهة نحو العدو الاسرائيلي.
وقال زياد الظاظا نائب رئيس الوزراء في حكومة حماس لرويترز إن الحركة التي تتطلع لتخفيف حدة التوتر مع مصر واسرائيل اقترحت نقل السيطرة على المعابر الرئيسية مع البلدين إلى رجال أعمال من القطاع الخاص في غزة.
وستحتاج مثل هذه الخطوة للتنسيق مع أطراف عديدة منها الرئيس الفلسطيني وما من سبيل لضمان الموافقة عليها.
وقال الظاظا الذي يشغل أيضا منصب وزير المالية إن رجال الاعمال يدرسون الاقتراح الان وأضاف “قلنا لهم اذهبوا واجروا مناقشاتكم مع اسرائيل ومصر.”
وقال الخبير الاقتصادي ماهر الطباع الذي يشغل أيضا منصب مدير العلاقات العامة بغرفة غزة التجارية إن الاقتراح يعكس تقدير حماس لمدى سوء الوضع. لكنه تساءل عن كيفية تنفيذه.
وقال الطباع إنه يرى أن الاقتراح “محاولة لايجاد حل لأزمة (الحكومة) لا مخرجا عمليا من الوضع الصعب الحالي.”
ومنذ عام 2007 خففت اسرائيل بعض القيود على الصادرات إلى غزة لكنها مازالت تفرض حظرا على مواد البناء وقائمة سلع تعتبرها مزدوجة الاستخدام عسكريا ومدنيا.
ومن المتوقع ان تبقى هذه القائمة سارية في المستقبل المنظور بغض النظر عن الجهة التي تدير المعابر.
استغناءات
واستطاع سكان غزة الالتفاف على القيود الاسرائيلية بالاستفادة من الانفاق مما سمح للاقتصاد بالنمو بنحو 15 في المئة عام 2011 وسبعة في المئة عام 2012. وقال الظاظا إن النمو في العام الماضي بلغ ثلاثة في المئة وان الركود يلوح في الافق.
ومع النمو السكاني بنسبة ثلاثة في المئة سنويا تقريبا يمثل مستوى النمو في العام الماضي ركودا فعليا.
وقد توقف العديد من المصانع في غزة وخفضت مصانع أخرى انتاجها أو استغنت عن عمال.
وقال نعيم السكسك صاحب أكبر مصنع للبلاستيك في القطاع إن القيود التجارية واغلاق الانفاق زادت الضغوط على أعماله التي قدر قيمتها بنحو خمسة ملايين دولار وتنتج أكثر من نصف احتياجات غزة من البلاستيك.
وأضاف أن الانتاج الاجمالي انخفض بنحو النصف خلال السبعة أشهر الاخيرة.
وتابع “اضطررنا للاستغناء عن 15 في المئة من عمالنا المئة وخمسين وخفض المرتبات بنسبة 20 في المئة في محاولة لمعالجة الازمة لكن الوضع يزداد سوءا طول الوقت.”
ولا تقتصر مشاكل الصناعة في غزة على قيود الاستيراد فنقص الكهرباء الذي أجبر السكان على التعايش مع انقطاع الكهرباء ثماني ساعات يوميا يعني للسكسك انفاق أكثر من 100 ألف دولار شهريا على الوقود الخاص بمولداته.
وفي محاولة لزيادة الكفاءة قال الظاظا إن حماس مستعدة أيضا لتقبل خصخصة توزيع الكهرباء في غزة وانها على اتصال بكبار رجال الاعمال رغم أنه ليس من المتوقع التوصل لحل سريع في هذا الصدد.
وأضاف “لا أدعي أن الوضع وردي. لكننا نبحث بكل الوسائل لمنح شعبنا حياة كريمة.”
المصدر: رويترز