تعكس احتفالات أعياد الطفولة التي نظمها فرع ثقافة الفيوم التابع للهيئة العامة لقصور الثقافة، برئاسة اللواء خالد اللبان، مدى قدرة الأنشطة الثقافية على خلق قيمة اقتصادية مضافة إلى جانب دورها التربوي والاجتماعي.
فتنوع الورش الفنية والتدريبية المقدمة خلال الفعاليات لا يمثل فقط مساحة للإبداع والترفيه، بل يسهم في تحفيز مهارات إنتاجية يمكن البناء عليها مستقبلا، كما يعزز صناعات صغيرة قائمة على الحرف اليدوية والخامات منخفضة التكلفة.
جاءت الفعاليات في إطار برامج وزارة الثقافة، حيث نظم قسم التمكين الثقافي لذوي الاحتياجات الخاصة بالتعاون مع متحف كوم أوشيم احتفالية لأطفال الدمج بمدرسة محي الدين أبو العز، شملت ورشا لصنع الأقنعة بالفوم وتزيين الأقلام بأشكال مبتكرة والرسم على الوجوه إلى جانب توزيع البالونات.
هذه الأنشطة القائمة على خامات بسيطة ومنخفضة التكلفة مثل الفوم والأقلام والخيوط الملونة تفتح المجال أمام الأطفال للتعرف على مهارات يدوية يمكن تحويلها لاحقاً إلى منتجات صغيرة قابلة للبيع، وهو ما ينعكس على ترسيخ ثقافة ريادة الأعمال المبكرة.
وفي مكتبة الطفل والشباب بسنورس، قدمت ورشة فنية بإشراف مروة السيد لتعليم تنفيذ أشكال متنوعة من الخرز، وهي خامة ذات قيمة اقتصادية واضحة في سوق الحلي والإكسسوارات.
اكتساب الأطفال مهارات التعامل مع الخرز يتيح لهم لاحقاً إنتاج قطع صغيرة يمكن تسويقها محلياً، كما يدعم انتشار الصناعات اليدوية المنزلية التي تُعد إحدى القنوات المهمة لزيادة الدخل الأسري.
تلت هذا النشاط فقرة لاكتشاف المواهب، ثم ورشة حكي بعنوان حب الخير للغير، ما يعزز البيئة الإبداعية التي تنمو فيها مهارات إنتاجية جنباً إلى جنب مع القيم التربوية.
كما استضافت مكتبة الفيوم العامة مجموعة من الورش ذات بعد اقتصادي مباشر، أهمها ورشة لإعادة تدوير خامات البيئة، وأخرى لتصميمات من ورق الكروشيه، وورشة أساور ورقية باستخدام الكانسون والفوم.
ورش إعادة التدوير تمثل قيمة متنامية في الاقتصاد الإبداعي، حيث يتم تحويل مواد مهملة إلى منتجات فنية يمكن تسويقها داخل المعارض المدرسية أو الحرفية بأسعار تنافسية.
أما ورق الكروشيه والكانسون والفوم فتمثل خامات متاحة ورخيصة الثمن، لكنها تمنح الأطفال القدرة على إنتاج منتجات زخرفية متنوعة، ما يعزز الوعي الاقتصادي لديهم حول كيفية تحويل الأفكار البسيطة إلى منتجات ذات قيمة.
واختتمت هذه الفعاليات بمسابقات وحكي وعرض مواهب، بما يساهم في تطوير بيئة تنافسية وإبداعية تدعم التفكير الابتكاري، وهو عنصر رئيسي في الصناعات الإبداعية التي تعد من أسرع قطاعات النمو عالمياً.
وضمن أنشطة فرع ثقافة الفيوم برئاسة ياسمين ضياء التابع لإقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد الثقافي، نظم بيت ثقافة طامية احتفالية تضمنت مسابقة ثقافية ناقشت أسئلة في العلم والثقافة العامة والرياضة والشعر وسط تفاعل لافت من الرواد، إضافة إلى ورشة فنية قدمها الفنان التشكيلي كارم ماهر دسوقي شارك فيها الأطفال في الرسم والتعبير الفني.
هذه الورش التي تعتمد على الرسم والألوان توفر تدريباً عملياً على مهارات يمكن تحويلها إلى مشاريع صغيرة مثل اللوحات البسيطة أو المنتجات الفنية ذات الطابع المحلي.
من الناحية الاقتصادية، تُعد هذه الأنشطة الاستثمار الأولي في رأس المال البشري، حيث تزرع في الأطفال ميولا إنتاجية وحرفية مبكرة يمكن أن تتطور لاحقاً إلى مهارات مهنية أو مصدر للدخل.
كما تروج الورش لفكرة الصناعات الإبداعية منخفضة التكلفة، القائمة على الموارد المتاحة في البيئة المحلية، ما يقلل من الحاجة إلى استثمارات مالية كبيرة، ويعزز مفهوم الاستدامة الاقتصادية في المجتمعات المحلية.
وتسهم الفعاليات أيضاً في تنشيط المصالح الاقتصادية المرتبطة بالخامات والأدوات المستخدمة في الورش، مثل محال بيع الأدوات الفنية والهوايات، وموردي الورق والخرز والفوم، ما يمثل حركة اقتصادية على مستوى محلي يدعم صغار التجار والحرفيين.
في المجمل، تقدم احتفالات أعياد الطفولة بثقافة الفيوم نموذجاً لدمج الاقتصاد الإبداعي في الأنشطة الثقافية، حيث تُصبح الورش الفنية والتدريبية منصة لاكتشاف القدرات الإنتاجية وتنمية المهارات الحرفية، بما يساهم في بناء جيل قادر على تحويل الإبداع إلى قيمة اقتصادية حقيقية، ضمن رؤية وزارة الثقافة في دعم المجتمعات المحلية وتمكين الأطفال باعتبارهم نواة الاستثمار في المستقبل.

