كما حدث – ويحدث في العديد من بلدان العالم : يدور الجدل ويحتدم حول التوجه إلى خيار الطاقة النووية ، وفي الغالب – وكما حدث في مصر – يحسم الأمر لصالح هذا الخيار .. بالرغم من كل مايحيطه من محاذير حقيقية ، وبعد حسم القرار لصالح الطاقة النووية : يكون التساؤل المنطقي حول توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة النظيفة ومستقبله ، إن مشروعات الطاقة النووية صممت على أساس أن هذه الطاقة سيكون الاعتماد عليها في الحصول على الكهرباء لعشرات السنين القادمة : فماذا عن مستقبل الطاقة الجديدة في ظل هذه الحقيقة الواضحة ؟ هل هي قادرة فعلاً على أن تكون بديلاً للطاقة النووية ؟ استمر الجدل في بولندا لسنوات حول الطاقة النووية : وهاهي تحسم الجدل لصالحها .
أعلنت الحكومة البولندية بصورة نهائية اعتزامها إقامة محطتين نوويتين ، وسوف تقام المحطتان بالقرب من الشاطئ البولندي على “بحر البلطيق” ، ويتحدد موقعاهما النهائيان سنة 2016 ، وتبدأ أولاهما توليد الكهرباء سنة 2024 ، وتتراوح التكلفة الكلية للمحطتين بين 13 بليون و 19 بليون دولار .
في وارسو : ترى مؤسسة “بوليتيكا إينسايت” للبحوث أن قرار الحكومة في هذا الشأن محاط بالمخاطر ، لكن الحاجة الماسة للكهرباء أدت إلى اتخاذه .
وفي برلين : ترى مؤسسة “ستيفتونج فيستينشافت” للبحوث أن المشروع البولندي يأتي بالتأكيد في اتجاه معاكس للاعتماد على الفحم لإدارة محطات الكهرباء : إذ تعتمد بولندا عليه للحصول على أكثر من 80 في المئة من احتياجاتها من الكهرباء .
من أهم دوافع القرار البولندي : أنه من المعروف أن أهم عيوب الاعتماد على الفحم أنه يؤدي إلى زيادة انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون ، بما يسببه من آثار بيئية سلبية ومساعدته على تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري ، وتريد وارسو تحقيق المعايير التي أقرها “الاتحاد الأوروبي” في هذا الصدد : والتي تقضي بخفض ذلك الانبعاث في دول الاتحاد بنسبة 20 في المئة بحلول سنة 2020 وبنسة 40 في المئة بحلول سنة 2030 بحلول سنة 2030 مقارنة بمستوياته سنة 1990 .
لقد أظهرت استطلاعات للرأي العام أن غالبية البولنديين يميلون الآن إلى الخيار النووي ، لكن هذا مرشح للتغير ..
وأهم الدواعي المتوقعة للتغير الاختيار النهائي لموقعي المحطتين ، وما يترتب عليه رد فعل السكان المحليين .. فمن المعروف أن الموقف التقليدي لأي سكان يقيمون بالقرب من محطة نووية يكون عدم الترحيب بدرجة أو بأخرى ، قد تصل حد المعارضة الكاسحة .
ثم يأتي المتغير الثوري ، الذي يغير أوضاع الطاقة في العالم كله وليس في بولندا وحدها : وهو ظهور البترول الصخري .
فقد اكتشفت احتياطات كبيرة من هذا البترول غير التقليدي في الأراضي البولندية ، وظهرت آراء قوية تدعو إلى التريث في اللجوء للخيار النووي بكل محاذيره ، عسى أن يوفر ذلك المصدر احتياجات البولنديين من الطاقة .
الرأي الأقوى أن الطاقة النووية ستتضافر مع البترول الصخري لتوفير الكهرباء ، مع الابتعاد التدريجي عن الفحم .
تمثل الحالة البولندية حالة نموذجية للحيرة التي يواجهها مخططو مستقبل الطاقة في مختلف بقاع العالم : مصادر الوقود التقليدي ، أم الطاقات المتجددة ، أم الطاقة النووية ؟
المصدر : مجدي غنيم المحرر العلمي لقناة النيل