رأت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية أن عام 2025 كان بحق عاما للصبر بالنسبة للصين، التي لا تزال تكافح للتعافي من الإرهاق الاقتصادي الطويل الذي خلفته جائحة (كوفيد-19)، ورغم حجم التحديات، يبدو أن الرئيس الصيني شي جين بينج لا يتعجل النتائج.
فخلال هذا العام، قاد شي الصين عبر مواجهات تجارية عالية المخاطر مع الولايات المتحدة. وحاول، في الوقت نفسه، دون نجاح كبير التعامل مع استمرار الضغوط الاقتصادية داخليا.
وعلى الرغم من أن عام 2025 أكد مجددا الثقل الاقتصادي لبكين على الساحة العالمية، إلا أن الطريق إلى الأمام للصين أصبح حاليا أقل وضوحا.
وعددت “فورين بوليسي” أربعة اتجاهات رئيسية للصين خلال عام 2025 تبرز بوضوح أنه كان عام الصبر بامتياز أولها: الانتصار في الحرب التجارية، فقد توقع كثيرون أن تؤدي الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى صدام حتمي مع الصين، لكن قلة فقط توقعت أن تخرج بكين منتصرة منها.
فبعد أن أعلن ترامب في أبريل الماضي حزمة واسعة من الرسوم طالت معظم الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، وهددت بخنق التجارة الصينية – الأمريكية، بدا أن الطرفين أدركا سريعا ضرورة التفاوض.
وبالفعل، جرى التوصل إلى هدنة هشة في مايو الماضي، لكنها سرعان ما انهارت، لتدخل العلاقات في أشهر من التصعيد المتبادل، قبل تراجع لافت عقب اللقاء المباشر بين ترامب وشي في أكتوبر الماضي. ومنذ ذلك الحين، أبدى ترامب مرونة واضحة تجاه بكين، سعيا لإبرام اتفاق تجاري، ما حدا به لممارسة ضغوط على اليابان لتهدئة موقفها حيال تايوان، وحاول تحييد قرارات حكومية أمريكية قد تستفز الصين، ووافق على تصدير بعض من أقوى رقائق الذكاء الاصطناعي إلى السوق الصينية.
بينما في المقابل، تراجعت الصين بهدوء عن تعهدها شراء كميات كبيرة من فول الصويا الأمريكي، مع مواصلتها تصدير كميات قياسية من السلع رغم الرسوم المرتفعة. ويعزى فشل إدارة ترامب في ممارسة ضغط فعال على بكين جزئيا – وفقا للمجلة – إلى تآكل الخبرات المعنية بالصين داخل الحكومة الأمريكية، فضلا عن رغبة ترامب الشخصية في تعزيز علاقاته بقادة بعض الأنظمة القوية.
وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن هيمنة الصين على سلاسل الإمداد العالمية، بفضل سيطرتها على قطاع المعادن الحيوية، لعب هو الآخر دورا حاسما في فوزها في هذه الحرب التجارية.
ظل الاقتصاد الصيني غارقا في أزماته خلال 2025، وفي مقدمتها فشل التعافي الكامل من صدمة الجائحة، التي كشفت بوضوح – في رأي المجلة – عن اختلالات تراكمت على مدى سنوات.
ويعد قطاع العقارات، الذي يشكل النسبة الأكبر من ثروة الأسر الصينية، أبرز مواطن الضعف.. فحتى قبل الجائحة، كان واضحا أنه فقاعة حاولت بكين مرارا تفريغها دون إشعال أزمة شاملة، لكن مقاومة الطبقة الوسطى الحضرية أجبرت الحكومة في كل مرة على التراجع.
ومع أن الحكومة المركزية حاولت إعادة هيكلة جزء من هذه الديون أو استيعابها، إلا أن الحجم الحقيقي للمشكلة لا يزال غير واضح.
ولفتت المجلة إلى أن ارتفاع بطالة الشباب يزيد أيضا من حدة الضغوط، ما يقوض مساعي بكين لتعزيز الاستهلاك المحلي، ويثير مخاوف من ركود طويل الأمد.
وتؤكد مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية أنه على النقيض من الركود العام، لا تزال بعض قطاعات التكنولوجيا الصينية في أوج نشاطها، فقد أبرز إطلاق نموذج الذكاء الاصطناعي “ديب سيك – آر1” في يناير الماضي مدى قوة المنافسة الصينية عالميا.. وأعاد ذلك الجدل حول ما إذا كان تشديد القيود الأمريكية على تصدير الرقائق المتقدمة سيحد من طموحات بكين أم يسرعها.
أما فيما يتعلق بالتكنولوجيا الخضراء، فتتربع الصين على القمة، حيث إنها الرائدة عالميا في السيارات الكهربائية، فضلا عن أنها تضيف مصادر الطاقة المتجددة إلى شبكتها بوتيرة غير مسبوقة، ما يساعد في موازنة كونها أكبر مصدر لانبعاثات الغازات الدفيئة.. وفي 2025، استحوذت الشركات الصينية على نحو 75% من طلبات براءات اختراع الطاقة النظيفة عالميا.
ونوهت المجلة الأمريكية إلى أنه منذ وصوله إلى الرئاسة عام 2013 أطلق الرئيس الصيني حملة تطهير واسعة تحت شعار مكافحة الفساد، تصاعدت هذا العام خاصة داخل الجيش.. فقد جرى – وفقا للمجلة – احتجاز وطرد عدد من الجنرالات من الحزب الشيوعي في أكتوبر الماضي. وامتدت هذه الحملة أيضا إلى السلك الدبلوماسي، فيما ترى المجلة أن الدافع الرئيس خلفها هو ضمان الولاء السياسي.
وعليه، فإن الاتجاهات الرئيسية للصين خلال عام 2025، تؤكد أنه كان عام الصبر بامتياز، حيث انتهجت سياسة النفس الطويل في تعاملاتها مع مختلف الأزمات داخليا وخارجيا، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل ستنجح هذه السياسة في العام الجديد؟
المصدر : وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)

