ذكرت صحيفة الخليج فى افتتاحيتها أن الأقنعة سقطت ولم يعد هناك مجال للتزييف والكذب. وما كان معروفاً منذ إنشاء إسرائيل ككيان عدواني توسعي ينكشف تباعاً منذ العدوان على قطاع غزة وحرب الإبادة التي طالت مئات الآلاف من الأبرياء، مع ما رافقها من تدمير هائل لكل ما له علاقة بالإنسان من مستشفيات ومراكز صحية ومدارس وبنى تحتية ومخيمات لإيواء النازحين، وما رافقه من استخدام الجوع كسلاح في الحرب.
لقد أدركت الشعوب الحرة كل ذلك، وفهمت أن ما تقوم به إسرائيل هو حرب على الإنسان من منطلق عنصري، بهدف اقتلاعه من الوجود أو تهجيره، كما أدركت أن مقولة «إسرائيل واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط» كذبة كبرى انطلت على المجتمع الدولي طوال نحو ثمانية عقود، لذلك كانت التظاهرات التي عمت مدن العالم وعواصمه بمنزلة نزع الشرعية الأخلاقية والسياسية عنها. وهذا ما حدث مع الولايات المتحدة في فيتنام، ومع فرنسا في الجزائر، ومع النظام العنصري في جنوب إفريقيا. وهكذا لم تعد إسرائيل «ضحية» كما كانت تصوّر نفسها بعدما سقطت آخر أقنعتها.
إن هذا الوعي الجمعي العالمي بحقيقة إسرائيل التي اتهمتها العدالة الدولية بارتكاب حرب إبادة وجرائم حرب، وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية في نوفمبر عام 2024، مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير حربه السابق يوآف جالانت، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، يدل على أن إسرائيل لم تعد ذلك «التابو» الذي لا يمكن الاقتراب منه أو كشف حقيقته وتعريته. كما لم يعد الشعب الفلسطيني كائنات غير مرئية على خريطة العالم، بل تحول إلى صرخة وجود تعم أصقاع الأرض بأنه شعب يستحق الحياة، ودولة، وحق تقرير المصير.
لذلك، عندما يعلن وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أن حكومة نتنياهو «حكومة استيطانية»، وأن إسرائيل «لن تنسحب أبداً من قطاع غزة.. وستقيم بؤراً استيطانية شمالي القطاع في الوقت المناسب، وإذا أمكن ستفرض السيادة على الضفة الغربية، ونحن الآن في مرحلة السيادة العملية»، وعندما يعلن أن إسرائيل «لن تتحرك مليمتراً واحداً من سوريا»، فهو في الواقع لا يكشف سراً ولا يقدم جديداً، إنما هو يكشف أهداف إسرائيل للعلن وبلا مواربة فيما يحاول العالم التوصل إلى صيغة لوقف إطلاق نار دائم في غزة والبدء في تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق شرم الشيخ بشأن فتح مسار للتسوية السياسية.
كاتس يريد أن يقول للعالم، وللولايات المتحدة خصوصاً -عرّابة الاتفاق- أن إسرائيل غير معنية بالاتفاق، ولها أهدافها التي تتناقض مع النقاط العشرين في خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي من المقرر أن يلتقي نتنياهو أواخر الشهر الحالي في البيت الأبيض، وهي لن تنسحب من القطاع كما ينص الاتفاق، وتنفض يديها من التزام ترامب بعدم ضم الضفة الغربية أو إقامة مستوطنات جديدة، امتداداً إلى سوريا التي يعلن كاتس تكريس احتلال الأراضي التي استولى عليها الجيش الإسرائيلي في جبل الشيخ خلال العام الحالي.
إن تصريحات كاتس لا تُقرأ في بعدها الأمني فقط، بل كرسائل للداخل الإسرائيلي بهدف شد العصب الانتخابي، وإعادة رسم صورة لليمين المتطرف أمام الناخب الإسرائيلي الذي يزداد تطرفا.
المصدر : صحيفة الخليج الإماراتية

