قال وزير الاستثمار والتجارة الخارجية المهندس حسن الخطيب إن مصر تشهد تحولًا جذريًا غير مسبوق بملف توطين صناعة الدواء واللقاحات، مؤكدًا أن الدولة تعمل حاليًا على توطين 29 لقاحًا جديدًا من خلال 15 شراكة استراتيجية مع كبرى الكيانات العالمية، في خطوة تضع مصر في مصاف الدول الأكثر جاهزية من حيث البنية التحتية والتصنيع الدوائي المتقدم.
جاء ذلك في كلمة وزير الاستثمار، اليوم الثلاثاء، خلال مراسم وضع حجر الأساس لمصنع اللقاحات التابع لشركة جينفاكس في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس باستثمارات قدرها 150 مليون دولار، بحضور رفيع المستوى ضم الدكتور عمرو قنديل نائب وزير الصحة والسكان والدكتور نعمة سعيد عابد ممثل منظمة الصحة العالمية في مصر، وطارق حامد الشاذلي محافظ السويس، والدكتور تامر الحسيني نائب رئيس هيئة الدواء، وليد جمال الدين رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بجانب سورش ريدي سفير الهند لدى مصر وآدم الضبع رئيس مجلس إدارة شركة جينفاكس.
وأضاف الخطيب أن هذا الحدث ليس عاديًا بل يمثل تحولًا كاملًا في مكانة مصر الصحية والاستثمارية بعد سنوات من الاستثمار المكثف بالبنية التحتية، وتحديث المنظومة التشريعية، وخلق بيئة استثمارية جاذبة تشجع على نقل التكنولوجيا وتوطين الصناعة، مؤكدًا أن وضع حجر الأساس لمشروعات تصنيع اللقاحات يعكس ترجمة عملية لرؤية الدولة في تحقيق الأمن الصحي.
وتابع “اليوم نحن فخورون بما تحقق.. مصر أصبحت الدولة الأولى الجاهزة لتصنيع اللقاحات والأدوية وفقًا لأعلى المعايير الدولية”، لافتًا إلى أن هذه الجاهزية تشمل المصانع، وسلاسل الإمداد ونظم الجودة والرقابة، فضلًا عن الكوادر البشرية المدربة.
وأوضح الخطيب أن المشروع يُقام باستثمارات حالية تُقدَّر بنحو 150 مليون دولار ضمن خطة توسعية تضيف استثمارات جديدة تقارب 70 مليون دولار؛ ليصل إجمالي الاستثمارات المتوقعة إلى نحو 220 مليون دولار، بما يعكس رؤية طويلة الأجل والتزامًا حقيقيًا بالاستثمار في السوق المصري.
وأشار إلى أن المصنع سيكون مركزًا إقليميًا لإنتاج وتصدير اللقاحات إلى إفريقيا والعالم، بما يتسق مع توجه الدولة لتعزيز الصناعات الدوائية والصحية الحيوية، ويدعم قدرات مصر في تحقيق الأمن الصحي، خاصة في ضوء الدروس المستفادة من جائحة كورونا.
وأشاد بالدور الذي تلعبه المنطقة الاقتصادية لقناة السويس في جذب الاستثمارات الاستراتيجية بفضل ما توفره من بنية تحتية متطورة ومناطق صناعية متكاملة، تسهم في الربط بين التصنيع والتصدير والخدمات اللوجستية بصورة فعّالة.
وأوضح أن المشروع يستهدف إنتاج ما بين 70 إلى 80 مليون جرعة سنويًا في مرحلته الأولى، مع طاقة قصوى تصل إلى 270 مليون جرعة سنويًا للخط الواحد، من خلال شراكات دولية مع نحو 15 موردًا وشريكًا عالميًا، ووفقًا لأعلى المعايير الدولية المعتمدة.
وأضاف أن خطة التشغيل تخصص نحو 60% من الإنتاج للسوق المحلي، مع توجيه قرابة 40% للتصدير إلى الأسواق الأفريقية والعربية والأسواق المعتمدة لدى منظمة الصحة العالمية، في إطار جهود الدولة لتيسير التجارة ودفع الصادرات وتعظيم النفاذ إلى الأسواق الخارجية.
وأكد أن المشروع يُعد نموذجًا ناجحًا للشراكة الحقيقية بين الدولة والقطاع الخاص، مشيرًا إلى حصوله على “الرخصة الذهبية” بما يعكس ثقة الدولة في جدواه الاقتصادية وأهميته الاستراتيجية، بجانب التزام الحكومة بتفعيل حوافز الاستثمار المنصوص عليها بقانون الاستثمار وتوجيهها للمشروعات القادرة على التصنيع والتصدير ونقل التكنولوجيا.
وفي ختام كلمته، شدد الخطيب على التزام وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية بدعم المستثمرين الجادين والتعامل السريع مع أي تحديات تشغيلية أو توسعية بما يضمن استدامة المشروعات وتعظيم أثرها الاقتصادي، وذلك في إطار رؤية مصر 2030 وتوجه الدولة نحو توطين الصناعات الاستراتيجية وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لاسيما في قطاع الصناعات الدوائية.
من جانبه..أكد نائب وزير الصحة والسكان الدكتور عمرو قنديل أن مصر تمضي بخطوات واثقة نحو ترسيخ أمنها الصحي وتوطين صناعة اللقاحات، باعتبارها ركيزة أساسية للتنمية المستدامة وتعزيز القدرة على مواجهة الأوبئة.
وقال “إن المرحلة الحالية تتطلب الانتقال من الاستهلاك إلى التصنيع والتصدير”، مشيرة إلى أن نحو 99% من اللقاحات المستخدمة في إفريقيا يتم استيرادها من خارج القارة، وهو ما يستدعي تطوير بنية تحتية متقدمة وبناء منظومات رقابية قوية في مجال الصناعات الدوائية.
وأضاف “أن مصر تم اختيارها من بين ست دول لقيادة هذا المسار، وأن التحالف المصري لمصنعي اللقاحات يضم مختلف الشركات الوطنية، بما يدعم المصنعين ويفتح المجال لشراكات إقليمية، من بينها شراكات مع المملكة المغربية، لتعزيز دور مصر كمركز إقليمي لتلبية احتياجات مصر وإفريقيا من اللقاحات”.
وبدوره..أكد ممثل منظمة الصحة العالمية في مصر الدكتور نعمة عابد أن تعزيز الإنتاج المحلي للقاحات يجب أن يكون مدعومًا بنظم رقابية صارمة، مشددًا على أن الإتاحة العادلة للقاحات أولوية صحية وأخلاقية عالمية.
وقال “إن الإنتاج المحلي ليس مجرد هدف تنموي بل أداة لتحقيق الإنصاف الصحي وتقليص فجوات عدم التكافؤ”، لافتًا إلى الدور المحوري الذي لعبته مصر في التصدي لجائحة كوفيد-19، وأهمية الإنتاج المحلي المستدام ونقل التكنولوجيا والمعرفة.
وأشار إلى أن قرارات منظمة الصحة العالمية تؤكد ضرورة اقتران التصنيع المحلي بأنظمة رقابية متقدمة، موضحا أن مصر تعد أول دولة إفريقية تحقق مستوى النضج التنظيمي في مجال اللقاحات.
ومن ناحيته.. قال رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس وليد جمال الدين إن مشروع مصنع اللقاحات التابع لشركة جينفاكس يمثل نقلة نوعية حقيقية في مسار الدولة لمواجهة التحديات الصحية وتعزيز الأمن القومي، مشددا على أن صناعتي اللقاحات والأغذية تُعدّان من ركائز الأمن القومي المصري في ظل المتغيرات الصحية والاقتصادية العالمية.
وأضاف أن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس نجحت خلال العام الحالي في جني ثمار استراتيجية متكاملة قامت على خلق بيئة عمل جاذبة وتنسيق الجهود بين مختلف الجهات، إلى جانب تذليل الإجراءات أمام المستثمرين وتسريع وتيرة التنفيذ، وهو ما انعكس في استقبال استثمارات بقيمة 13 مليار دولار خلال العام الماضي.
وأوضح أن المنطقة الاقتصادية خصصت نحو 4 ملايين م2 بمنطقة العين السخنة لإقامة صناعات استراتيجية متقدمة، في مقدمتها الصناعات الدوائية واللقاحات، بما يدعم توجه الدولة نحو التصنيع المحلي والتصدير وخدمة الأسواق الإقليمية، وعلى رأسها القارة الإفريقية.
وشدد على أن توطين التكنولوجيا لا يقل أهمية عن توطين الصناعة نفسها، مؤكدًا أن نقل المعرفة وبناء القدرات الفنية والتشغيلية هو الضامن الحقيقي للاستدامة والتنافسية، لا سيما في الصناعات الحيوية ذات القيمة المضافة العالية.
وأضاف أن المنطقة الاقتصادية لعبت دورًا محوريًا في تهيئة المناخ الاستثماري ودعم الشراكات الدولية، بما يشجع على نقل التكنولوجيا المتقدمة وتوطينها داخل مصر، ويسهم في تعزيز مكانة الدولة كمركز إقليمي للصناعات الصحية الاستراتيجية.
من جانبها، أوضحت الشريك المساهم والمدير العام لشركة جينفاكس الدكتورة نيبال دهبة أن المشروع يستند إلى خريطة واضحة لتصنيع اللقاحات تعتمد على نقل التكنولوجيا وتشغيل خطوط إنتاج متقدمة تم استلامها بالفعل من ألمانيا وإيطاليا، مؤكدة أن الرؤية تتجاوز السوق المحلي لتشمل القارة الإفريقية بأكملها.
وقالت “نحن لا نبني هذا المشروع لأنفسنا فقط بل نبنيه لمصر أولًا، ثم لإفريقيا”، مشيرة إلى البدء في إبرام مذكرات تفاهم مع شركاء إقليميين ودوليين على أن يتم افتتاح المصنع خلال عامين.
ويأتي هذا التوجه متوافقًا مع أحدث الدراسات والأبحاث الطبية العالمية التي تؤكد أن امتلاك الدول لقدرات تصنيع اللقاحات محليًا، مدعومة ببنية تحتية قوية ونظم رقابية صارمة، يمثل أحد أهم الدروس المستفادة من جائحة كوفيد-19، ويعد ركيزة أساسية لضمان الاستجابة السريعة للأزمات الصحية وحماية الأمن القومي.
وكالات





