وجّه «حزب الله» عدة رسائل سياسية وعسكرية تزامناً مع زيارة الموفد الأميركي توماس برّاك إلى لبنان، تبنّى بعضها وتعمّد تجاهل أخرى، التي توحي بأن هناك أوراقاً بإمكان الحزب أن يلعبها، رغم تشكيك معارضيه في قدرته على المواجهة، واعتبار أن تلك المنشورات معدة «للتسويق بين جمهوره».
ومنذ الأحد الماضي، عشية وصول الموفد برّاك إلى بيروت، الذي يصرّ على «حصرية السلاح» بيد السلطات الرسمية، تنوّعت الرسائل بين مضامين سياسية وعسكرية ومالية، بدأت من ظهور ملصقات في قرية في البقاع (شرق لبنان)، تدعو النساء للمشاركة في دورات تدريب على السلاح، قبل أن يليها بيان يوم الاثنين، دعا الحزب فيه إلى تحركات ميدانية، وسرعان ما ألغاها بطلب من رئيس البرلمان نبيه بري، فيما عملت وسائل إعلام محلية على تسريب معلومات عن تخصيصه مليار دولار لإعادة الإعمار، تبيّن أنها غير دقيقة، فيما كثّف جمهوره نشر فيديوهات عسكرية، وكان آخرها ظهور أمينه العام، نعيم قاسم، بلباس عسكرى ، وحمل بعضها شعارات ترفض تسليم السلاح.
وبمعزل عن الدعوة للتحركات الميدانية، لم يتبنّ الحزب رسمياً تلك المنشورات، وانتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي بين جمهوره. وقالت مصادر مواكبة من كثب لطريقة عمل الحزب، إن تلك المنشورات، حتى لو لم يعتمدها، فإنها «تنطوي على رسائل سياسية وعسكرية»، لافتة إلى أن ما يُحاول الحزب تعميمه، يتلخّص في أنه «لا يزال يمتلك أوراقاً يمكن أن يلجأ إليها، ومن بينها التحركات المدنية في الشارع التي يُمكن أن تُربك البلد، وتُفرمل اندفاعاته باتجاه الاستقرار، وجذب الاستثمارات والتعويل على السياحة».
وأوضحت المصادر، لـ«الشرق الأوسط»، أن الهدف من تعميم منشور حول تدريبات عسكرية للنساء «هو توجيه رسالة مزدوجة؛ أولاً إلى بيئته الداخلية، مفادها أن الدفاع عن النفس في حال اندلاع مواجهة مع أطراف سورية متاخمة لمناطقهم هو مسؤولية جماعية لا تقتصر على الرجال». أما مضمونها الموجه إلى خصومه بأن «حمل السلاح لا يقتصر على المقاتلين، وسيكون عاماً بغرض الدفاع».
وتتصدّر تلك الرسائل ما جرى نشره عن تخصيصه مليار دولار لإعادة الإعمار، وهو ما لم تَثبُت صحته. ويرى مصدر نيابي معارض للحزب أن التسريبات غير الدقيقة عن ذلك تنطوي أيضاً على رسائل مزدوجة، فمن جهة «يُحاول طمأنة بيئته بأنه عازم على إعادة الإعمار في حال فشل خطة إعادة الإعمار عبر الدولة»، في حين تحمّل رسالة لخصومه السياسيين، مفادها أن «المساعي لتطويق الحزب مالياً ومحاصرة موارده، لم تنجح بالكامل».
ويقول المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن ما يُحاول الحزب تثبيته مفاده أن «أي محاولة لمقايضة السلاح بإعادة الإعمار، لن تتم»، وذلك في توقيت حسّاس، يسبق مؤتمر المانحين الذي تستضيفه باريس خلال الشهر المقبل، لإعادة إعمار ما هدمته الحرب، علماً بأن التقديرات الوزارية اللبنانية تُشير إلى أن بعض المانحين «يشترطون إنجاز سحب السلاح قبل دفع مساعدات مالية لإعادة الإعمار».
وتُشير تلك الرسائل، في خلاصتها، إلى أن الحزب «يعاني إرباكاً سياسياً»، ذلك أنه «يعرف أن الاستمرار في القتال، ومواجهة كل المحيط، هو أقرب إلى انتحار منه لأي إنجاز سياسي متوقع»؛ لذلك «يعوض عبر تشكيل حالة من الضوضاء وملء الفراغ الهائل الناتج عن العجز أمام إسرائيل، بمحاولة الاعتداد بأنه قوي، ويلجأ فيه إلى التخويف من احتمالات نهاية السلاح».
المصدر : صحيفة الشرق الأوسط

