أثار توقيع مذكرة تفاهم أمنية بين العراق وإيران مؤخرًا أزمة دبلوماسية مع الولايات المتحدة، حيث أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية رفضها القاطع للاتفاق.
ويضع هذا الموقف الحاسم من واشنطن بغداد في موقف حرج، معتبرة أن الاتفاق يهدد سيادة العراق ويقوض جهود تعزيز استقلاليته.
يأتي هذا التوتر ليُسلّط الضوء على التحديات التي تواجه العراق في سعيه لتحقيق التوازن بين علاقاته الإقليمية والدولية المتضاربة.
وذكرت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، تامي بروس، خلال مؤتمر صحافي في واشنطن، تعقيبا على هذه الاتفاقية “نحن نعارض أي تشريع يتعارض مع أهداف مساعداتنا الأمنية الثنائية وشراكتنا، ويتناقض مع جهود تعزيز المؤسسات الأمنية القائمة في العراق”.
وأكدت بروس “نحن ندعم السيادة العراقية الحقيقية، لا التشريعات التي من شأنها تحويل العراق إلى دولة تابعة لإيران”.
وتابعت أن “الولايات المتحدة كانت واضحة في هذه الحالة تحديدا، وفي غيرها، بأن مستقبل الدول يجب أن يكون بيد شعوبها، ومؤكدين التزامنا هنا كما أوضحنا، بأن هذا المسار بالتحديد يتعارض مع ما نصبو إليه”.
وتكشف تصريحات بروس عن قلق أمريكي عميق من انحياز بغداد للمحور الإيراني على حساب علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.
وردا على هذه التصريحات، أدانت كل من سفارتي العراق وإيران في واشنطن وبغداد، اليوم الأربعاء
وجاء الرد سريعا وموحدا من سفارتي العراق وإيران في واشنطن وبغداد، اللتين أدانتا اليوم الأربعاء ما أسمته “الموقف التدخّلي” للولايات المتحدة بشأن العلاقات الثنائية بين البلدين الجارين.
وذكرت السفارة العراقية في واشنطن، في بيان إنه “تعقيبا على ما ورد في تصريحات المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية خلال مؤتمرها الصحافي الأخير، فإن العراق دولة ذات سيادة كاملة، وله الحق في إبرام الاتفاقيات ومذكرات التفاهم وفقا لأحكام دستوره وقوانينه الوطنية، وبما ينسجم مع مصالحه العليا”.
وأضافت أن “العراق يتمتع بعلاقات صداقة وتعاون مع عدد كبير من دول العالم، بما في ذلك دول الجوار الجغرافي، والولايات المتحدة الأميركية، وغيرها من الدول الصديقة، ويحرص على بناء هذه العلاقات على أسس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة”.
وشددت السفارة على أن “العراق ليس تابعا لسياسة أي دولة، وقراراته تنطلق من إرادته الوطنية المستقلة”.
وتابعت “وفي هذا السياق، فإن الاتفاقية الأمنية الموقعة مؤخرا مع الجانب الإيراني تأتي في إطار التعاون الثنائي لحفظ الأمن وضبط الحدود المشتركة، وبما يحقق استقرار البلدين وأمنهما، ويخدم أمن المنطقة ككل”.
ومن جانبها، قالت إيران في بيان عبر سفارتها في بغداد، إن “تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية المعارضة لتوقيع مذكرة تفاهم للتعاون بين إيران والعراق بهدف تعزيز أمن البلدين ومكافحة الإرهاب تُعدّ تدخّلا غير مقبول في العلاقات بين دولتين مستقلتين جارتين، وهي دليل واضح على النهج المزعزع للاستقرار الذي تتبعه الولايات المتحدة تجاه دول المنطقة، وعلامة على الجهود المستمرة لصانعي القرار في هذا البلد لإثارة الفُرقة بين الشعوب الجارة والمسلمة”.
وأضافت بأن “مثل هذه المواقف التدخّلية تُعدّ انتهاكا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي القائم على (التعاون بين الدول)”.
ومنذ سنوات، يحاول العراق التوازن بين شراكته الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وعلاقاته الوثيقة مع إيران، إلا أن الاتفاق الأخير يعكس بحسب مراقبين انحيازا أوضح للمحور الإيراني، خاصة في ظل استمرار موقف طهران الرافض لحل أو دمج الحشد الشعبي، ودفعها نحو مشاريع اقتصادية مشتركة مثل الربط السككي والطاقة، وهي ملفات تعتبرها واشنطن وتل أبيب جزءا من نفوذ إيران الإقليمي الذي تحاولان احتواءه.
والاتفاقية التي وقّعها العراق وإيران خلال زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، الاثنين إلى بغداد، بحضور رئيس الوزراء محمد شياع السوداني شملت مذكرة تفاهم أمنية تنص على توحيد الجهود الاستخبارية والعسكرية بين البلدين، واعتبار الأمن العراقي جزءا من منظومة الأمن القومي الإيراني، إلى جانب تعزيز التعاون في حماية الحدود ومكافحة الإرهاب.
وذكرت صحيفة “تايمز أوف إنديا” في تقرير لها الثلاثاء أن مذكرة التفاهم تمثل، من وجهة النظر الإسرائيلية، تحديا مباشرا للولايات المتحدة وإسرائيل في حال تنفيذ أي عمليات عسكرية ضد طهران
وأضاف التقرير أن إسرائيل تعيش حالة إنذار قصوى نتيجة هذه الخطوة، التي تراها تشكيل جبهة موحدة بين العراق وإيران ضد إسرائيل، معتبرة أن بغداد التي كانت تُعد حليفا للولايات المتحدة، انتقلت الآن إلى الصف الإيراني.
كما أشارت الصحيفة إلى أن التفاهمات بين بغداد وطهران تشمل احتمالية دمج اقتصادي من خلال مشروع الربط السككي، وهو ما قد يشكل خرقا للعقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على إيران، مبينة أن هذه الخطوة تمثل ضربة مباشرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يسعى لتوحيد حلفائه في المنطقة، ومن بينهم العراق، في جبهة منسقة ضد إيران.
وتتزامن هذه التطورات مع تصعيد عسكري محتمل، فقد وسائل إعلام إسرائيلية، كشفت الثلاثاء، عن إجراء مناورات عسكرية استعدادا لهجوم محتمل من إيران وحزب الله، وذلك غداة تلويح وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، بتكرار “عرس دم ” في طهران، واستهداف المرشد الإيراني علي خامنئي شخصيا.
وقال رئيس الأركان الإيراني عبدالرحيم موسوي في حينها، إن “القوات المسلحة الإيرانية في حالة استعداد كامل لمواجهة أي عدوان جديد بردٍّ أكثر قوة وحسماً، مضيفاً أن “نكث العهود من قبل أميركا والكيان الصهيوني أمر معهود”.
وكان وزير المالية الأسبق، القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، هوشيار زيباري، قال في حوار متلفز عبر قناة السومرية، الأحد، إن “ارتدادات حرب الـ12 يوما لم تنته، وما يحصل دوليا وإقليميا يسحبنا إلى قراءات نحو انفجار مواجهات في شهر سبتمبر المقبل، وربما تتأثر الانتخابات العراقية به”.
ويظهر أن توقيع مذكرة التفاهم الأمنية بين العراق وإيران ليست مجرد خطوة دبلوماسية عادية، بل هي قرار استراتيجي يضع العراق أمام منعطف حاسم في سياسته الخارجية.
ويرى مراقبون أن التداعيات المحتملة لهذه الخطوة قد تكون وخيمة، سواء على صعيد علاقاته الدولية مع الولايات المتحدة، أو على صعيد استقراره الداخلي في ظل تصاعد التوترات الإقليمية.
ويبقى التساؤل الأهم حول ما إذا كان العراق سيتمكن من تحمل عواقب هذا الخيار، أو أنه سيجد نفسه منقادًا إلى مسار لا يخدم مصالحه الوطنية الحقيقية.
المصدر : وكالات

