أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه أمر مسؤوليه بالعمل على إعادة بناء سجن ألكاتراز وفتحه مجدداً لاستقبال أخطر مجرمي الولايات المتحدة، بعد أن كان قد جرى إغلاق السجن الفيدرالي سيئ السمعة قبل 6 عقود.
وكتب ترامب على منصته “تروث سوشيال” أن السجن الذي يقع على جزيرة صغيرة قبالة سواحل سان فرانسيسكو، سيخصص لـ”مجرمي أمريكا الأكثر قسوة وعنفاً”، مضيفاً أنه سيجري العمل على “توسعته بشكل كبير”.
ما أعاد إلى الواجهة هذا السجن الشهير الذي كان يلقب لعقود بالصخرة، والذي نسجت حوله العديد من “الأساطير”.
فماذا نعرف عنه ؟
أولاً لابد من الإشارة إلى أن اسم ألكاتراز مشتق من الكلمة الإسبانية “Alcatraces”.
ففي عام 1775، كان المستكشف الإسباني خوان مانويل دي أيالا أول من أبحر إلى ما يُعرف الآن بخليج سان فرانسيسكو، حيث رسمت بعثته خريطة لخليج سان فرانسيسكو وأطلقت على إحدى الجزر الثلاث اسم Alcatraces.
ومع مرور الوقت، حُوِّل الاسم إلى الإنجليزية ليصبح ألكاتراز. وبينما لا يزال المعنى الدقيق محل جدل، فإن تعريف ألكاتراز عادة يعني “البجع” أو “الطائر الغريب”، وفق المكتب الفيدرالي للسجون.
أما عام 1850، فصدر أمر رئاسي يقضي بتخصيص الجزيرة لاستخدامها كمحمية عسكرية أميركية. وقد دفعت حمى الذهب في كاليفورنيا، وما نتج عنها من طفرة في نمو سان فرانسيسكو، والحاجة إلى حماية خليج سان فرانسيسكو، الجيش الأمريكى إلى بناء قلعة أو حصن على قمة الجزيرة في أوائل خمسينيات القرن التاسع عشر.
كما وضع الجيش خططاً لنصب أكثر من 100 مدفع على الجزيرة، مما جعل ألكاتراز الموقع العسكري الأكثر تحصيناً على الساحل الغربي.
وشكّلت ألكاتراز، إلى جانب “Fort Point and Lime Point”، “مثلث دفاع” مصمماً لحماية مدخل الخليج. كذلك كانت الجزيرة موقع أول منارة عاملة على الساحل الغربي للولايات المتحدة.
بحلول أواخر خمسينيات القرن التاسع عشر، تم إيواء أول السجناء العسكريين في الجزيرة. وبينما تضاءلت أهمية ألكاتراز الدفاعية مع مرور الوقت (إذ لم تُطلِق الجزيرة نيرانها في المعارك)، فإن دوره كسجن استمر لأكثر من 100 عام.
“الصخرة”
في 1909، هدم الجيش القلعة، تاركاً طابقها السفلي أساساً لسجن عسكري جديد. ومن عام 1909 إلى 1911، بنى السجناء العسكريون في ألكاتراز السجن الجديد، الذي عُرِفَ باسم فرع المحيط الهادئ، ثكنات التأديب الأميركية للجيش. وقد اشتهر مبنى السجن هذا لاحقاً باسم “الصخرة”.
واستخدم الجيش الأمريكى الجزيرة لأكثر من 80 عاماً، من 1850 حتى 1933، حين نُقلت إلى وزارة العدل لاستخدامها من قِبل المكتب الفيدرالي للسجون.
وكانت الحكومة الفيدرالية قد قررت افتتاح سجن شديد الحراسة، يتمتع بامتيازات محدودة، للتعامل مع أكثر السجناء تشدداً في السجون الفيدرالية، ولإثبات جدية الحكومة الفيدرالية في وقف الجريمة المتفشية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي للجمهور الملتزم بالقانون.
في حين أن العديد من المجرمين المعروفين، مثل آل كابوني، وجورج “ماشين – جان” كيلي، وألفين كاربيس، وآرثر “دوك” باركر، قضوا بعض الوقت في سجن ألكاتراز، فإن معظم السجناء هناك لم يكونوا من رجال العصابات المعروفين، بل كانوا سجناء رفضوا الالتزام بالقواعد واللوائح في المؤسسات الفيدرالية الأخرى، والذين اعتبروا عنيفين وخطرين، أو مصدراً خطراً للهروب.
فيما بلغ متوسط عدد السجناء حوالي 260-275 سجيناً فقط (لم يصل السجن قط إلى سعته القصوى البالغة 336 سجيناً).
واعتبر العديد من السجناء أن ظروف المعيشة (على سبيل المثال، وجود سجين واحد في كل زنزانة) في ألكاتراز أفضل من غيرها من السجون الفيدرالية، وطلب العديد منهم النقل إلى ألكاتراز.
لكن هذا السجن الذي صورته الكتب والأفلام “كجزيرة الشيطان” لم يكن كما وصف، بل صُمم ليكون سجناً خاصاً ضمن نظام السجون.
فإذا لم يُحسن السجين التصرف في مؤسسة أخرى، يُمكن إرساله إلى ألكاتراز، حيث وضع روتين يومي لتعليمه اتباع القواعد واللوائح.
كما كان للسجين في ألكاتراز، 4 حقوق: الطعام، والملبس، والمأوى، والرعاية الطبية.
أما كل شيء آخر فكان امتيازاً يجب اكتسابه، منها العمل، والتواصل مع أفراد الأسرة واستقبال زياراتهم، وإمكانية استخدام مكتبة السجن، والأنشطة الترفيهية كالرسم والموسيقى.
وبمجرد أن يشعر مسؤولو السجن بأن السجين لم يعد يشكل تهديداً ويمكنه اتباع القواعد (عادةً بعد قضاء 5 سنوات بالمتوسط في ألكاتراز)، يمكن نقله مرة أخرى إلى سجن فيدرالي آخر لإكمال عقوبته وإطلاق سراحه.
محاولات الهروب
وعلى مدار 29 عاماً (1934-1963) من عمل السجن الفيدرالي، شارك 36 رجلاً (من بينهم 2 حاولا الفرار مرتين) في 14 محاولة هروب منفصلة. ومن بين هؤلاء، أُلقي القبض على 23، وقُتل 6 بالرصاص أثناء هروبهم، فيما غرق اثنان. وأُعدم اثنان من الرجال الذين اعتقلوا لاحقاً في غرفة الغاز بسجن ولاية كاليفورنيا في سان كوينتين لدورهما في مقتل ضابط إصلاحي خلال محاولة الهروب الشهيرة في “معركة ألكاتراز” بين 2 و4 مايو 1946.
ويعتمد نجاح أي شخص في الهروب من ألكاتراز على تعريف “النجاة”. ورسمياً، لم ينجح أحد في الفرار، مع أنه لا يزال هناك 5 سجناء مدرجين على أنهم “مفقودون ويُفترض غرقهم”.
أساطير وعوائق رئيسية
ومن بين الأساطير العديدة حول ألكاتراز استحالة النجاة من السباحة من الجزيرة إلى البر الرئيسي بسبب أسماك القرش.
إذ لا توجد في الواقع أسماك قرش “آكلة للبشر” في خليج سان فرانسيسكو، بل أسماك قرش صغيرة تتغذى على القاع.
لكن العوائق الرئيسية تتمثل في برودة الجو (بمتوسط 50-55 درجة فهرنهايت)، والتيارات القوية، والمسافة إلى الشاطئ (1.5 ميل على الأقل).
وقد سبحت فتاة مراهقة إلى الجزيرة، قبل افتتاح المؤسسة الفيدرالية عام 1934، لإثبات أن الأمر ممكن.
فإذا كان الشخص مدرباً ومهيأ جيداً، يمكنه النجاة من المياه الباردة والتيارات السريعة.
مع ذلك، بالنسبة للسجناء – الذين لم يكن لديهم سيطرة على نظامهم الغذائي، ولم يمارسوا رفع الأثقال أو التدريب البدني (باستثناء تمارين البطن والضغط)، ولم يكونوا على دراية بارتفاع وانخفاض المد والجزر – فقد كانت فرص النجاح ضئيلة.
إغلاق السجن
في 21 مارس 1963، أُغلق سجن ألكاتراز بعد 29 عاماً من التشغيل، إذ كان باهظ التكلفة للغاية بحيث لا يمكنه الاستمرار في العمل. وقُدِّرت الحاجة إلى ما بين 3 و5 ملايين دولار لأعمال الترميم والصيانة فقط لإبقاء السجن مفتوحاً.
فيما لم يشمل هذا الرقم تكاليف التشغيل اليومية – كانت تكلفة تشغيل ألكاتراز أعلى بثلاث مرات تقريباً من أي سجن فيدرالي آخر.
أما السبب الرئيسي للتكلفة فكان عزلة الجزيرة، إذ كان يجب إحضار كل شيء (الطعام والإمدادات والمياه والوقود…) بالقوارب.
فعلى سبيل المثال، لم يكن لدى الجزيرة مصدر للمياه العذبة، لذلك كان لابد من نقل ما يقرب من مليون غالون من المياه إلى الجزيرة كل أسبوع.
فتوصلت الحكومة الفيدرالية إلى أن بناء مؤسسة جديدة كان أكثر فعالية من حيث التكلفة من إبقاء سجن ألكاتراز مفتوحاً.
وبعد إغلاقه، هُجر سجن ألكاتراز بشكل تام تقريباً. فيما طُرحت عدة أفكار من أجل تنشيط الجزيرة، بما في ذلك إنشاء نصب تذكاري للأمم المتحدة، ونسخة من تمثال الحرية على الساحل الغربي، ومركز تسوق/مجمع فندقي.

