رصدت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في عددها الصادر اليوم الثلاثاء، انقسامًا داخل إسرائيل بشأن استراتيجية التعامل مع قطاع غزة خاصة داخل أوساط اليمين المتطرف والمسئولون في الجيش.
وذكرت الصحيفة – أن إسرائيل سمحت بدخول بعض المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة أمس الإثنين، منهيةً بذلك حصارًا استمر لمدة شهرين في تحول يُبرز، إلى جانب التردد في الحسم الميداني، مساعي الحكومة الإسرائيلية لتحقيق توازن بين مصالح متضاربة.
وأضافت الصحيفة أن إسرائيل سعت على مدار أشهر، إلى الضغط على حركة حماس من خلال التهديد بشنّ هجوم بري واسع النطاق، بالتزامن مع فرض حصار خانق وقطع المساعدات عن القطاع ، لكن دولة الاحتلال تراجعت أمس الاثنين، عن موقفها بشأن المساعدات وسمحت بدخول بضع شاحنات محملة بالأغذية إلى غزة.. ورغم تصعيد خطابها وغاراتها الجوية على غزة في الأيام الأخيرة، لم يبدأ الجيش الإسرائيلي بعدُ الاجتياح الكبير الذي طالما توعد بأنه سيشمل آلاف القوات البرية.
وأكدت “نيويورك تايمز” أن غياب الوضوح الاستراتيجي يعكس خلافات داخل قيادات الجيش الإسرائيلي حول أولويات الوقت الراهن.
وقالت الصحيفة إنه فيما يتعلق بالمساعدات، يجب على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الموازنة بين حلفائه السياسيين اليمينيين الذين يعارضون إرسال الغذاء إلى غزة، والحلفاء الأجانب، بمن فيهم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذين يخشون أن يؤدي الحصار إلى مجاعة.. ويعكس الغموض بشأن الغزو البري حاجة نتنياهو لإرضاء وزراء الحكومة اليمينيين المتطرفين، الذين يدفعون باتجاه إعادة احتلال غزة بالكامل، وكبار جنرالات إسرائيل، الذين يعتقدون أن مثل هذه الخطوة ستكون صعبة التنفيذ وخطيرة على الرهائن المحتجزين في غزة.
وتعليقًا على ذلك، قال دانيال شابيرو، السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل: “يفضل نتنياهو، كعادته، كسب الوقت وعدم اتخاذ القرارات”.. وأضاف شابيرو، في الوقت الذي يسعى فيه وزراء اليمين المتطرف في إسرائيل إلى سيطرة دائمة على غزة، تساور القيادة العسكرية الشكوك حول استدامة الاحتلال الدائم، بالنظر إلى المخاوف بشأن استعداد جنود الاحتياط العسكريين لتولي مهامه على المدى الطويل ومخاوف بشأن مصير الرهائن”.
ورأت الصحيفة الأمريكية أيضًا أن تأخير العملية البرية يرجع أيضًا إلى انتظار إسرائيل لمعرفة رد فعل حماس على جولة جديدة ومكثفة من المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار، وسط ضغوط من إدارة ترامب على الجانبين للتوصل إلى هدنة .. ففي حين تضغط إسرائيل على حماس لإطلاق سراح عدد من الرهائن، مقابل هدنة مؤقتة، تتمسك المقامة الفلسطينية بضرورة التوصل إلى اتفاق دائم، لكن إسرائيل تأمل أن يدفع الخوف من خسارة المزيد من الأراضي حماس إلى القبول بأقل من ذلك.
بدورها، قالت شيرا إيفرون، مديرة الأبحاث في منتدى السياسة الإسرائيلية، وهي مجموعة بحثية مقرها نيويورك ” يجب قراءة كل شيء في سياق المفاوضات من أجل وقف إطلاق نار جديد واتفاق بشأن الرهائن”، وأضافت ” بدأت إسرائيل عملية برية جديدة، لكن كل شيء لا يزال قابلاً للتراجع … في الوقت الحالي، هذه أداة تفاوضية، فهي تضع المزيد من الضغط على حماس لتقديم تنازلات في المحادثات”.
وتابعت “نيويورك تايمز” في مقالها، بينما يمنح التأخير في شن العملية البرية المفاوضين مزيدًا من الوقت للتوصل إلى حل وسط، فإن التراجع عن المساعدات يمنح إسرائيل مزيدًا من الوقت لمواصلة قصف غزة.. وأشارت إلى أنه في الأيام الأخيرة، انضمت إدارة ترامب – الداعم الأجنبي الرئيسي لإسرائيل – إلى قائمة طويلة من القادة الأجانب الذين حذروا من المجاعة في غزة، فيما أعلن نتنياهو أن استئناف إدخال المساعدات جاء ردًا على هذه الانتقادات ومحاولةً للحفاظ على الدعم الخارجي لحملة إسرائيل.
وقال نتنياهو – في مقطع فيديو نُشر على الإنترنت – ” يجب ألا نصل إلى حد المجاعة، لا كمسألة واقعية فحسب، بل كقضية دبلوماسية أيضًا”، مضيفا أنه بدون استئناف المساعدات، “لن تحظى إسرائيل بالدعم، ولن نتمكن من تحقيق النصر”.. وبحسب “نيويورك تايمز” فإن هذا التصريح يمثل تحولًا في اللهجة لم يكن من الممكن تصوره قبل أيام قليلة.
ولفتت الصحيفة إلى حقيقة أن جيش الاحتلال منع منذ مارس الماضي وصول الغذاء والوقود إلى غزة، حتى مع تحذير منظمات الإغاثة، وبعض الجنود الإسرائيليين، من أن القطاع أصبح على شفا المجاعة.
وأضافت إيفرون، حول هذا الشأن، أن التراجع عن المساعدات سلّط الضوء على حيلة نتنياهو.. وقالت:” يحاول نتنياهو القيام ببعض الأمور .. وبإعلانه عن عملية برية أكبر، يُظهر لقاعدته الشعبية أنه يفعل شيئًا ما، وبإعلانه عن استئناف المساعدات، فإنه يستجيب لضغوط إدارة ترامب، بينما يكسب المزيد من الوقت لمفاوضات الرهائن”.. مع ذلك، أكدت الصحيفة الأمريكية أن هذا التوازن لم يبدد مخاوف المجتمع الدولي بشأن سلوك إسرائيل في الحرب أو الوضع الإنساني في القطاع المنكوب.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)