في الثالث من فبراير الجاري، أعلن إيلون ماسك، الرئيس التنفيذى لشركة “تسلا”، الملياردير الذي تم تعيينه لإدارة وكالة جديدة لتحديد تخفيضات الإنفاق في الحكومة الأمريكية، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وافق، على ضرورة “إغلاق” الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، التي توزع مليارات الدولارات من المساعدات الإنسانية وتمويل التنمية سنويا، وذلك بعد تجميد تمويلها وإعطاء العشرات من موظفيها إجازة.
ورأت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية أن قرار ترامب عبارة عن “مخطط غير مدروس” يتعارض مع القانون الأمريكي، وقد يمزق البنية الأساسية للمساعدات الدولية التي تم بناؤها بدعم من الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) على مدى عقود من الزمان، ما يعني المزيد من حالات تفشي الأمراض والكوارث في جميع أنحاء العالم.
وفي ضوء هذا القرار، تم إبلاغ موظفي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بأن مقر الوكالة قد تم إغلاقه، وأعلن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أنه أصبح رئيس الوكالة الجديد، بموجب خطط دمجها مع وزارة الخارجية، فيما تشير التقارير إلى أن هذه الخطوة من شأنها تسريح العديد من موظفي الوكالة المسؤولين عن برامج إغاثية مهمة وحاسمة في مناطق متفرقة حول العالم.
واعتبرت المجلة الأمريكية أن إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سياسة ليست جيدة أو قانونية حيث تخالف القانون الأمريكي والدستور، مشيرة إلى أنه رغم وجود العديد من الأسباب للمطالبة بالإصلاح في الوكالة، إلا أن العديد من انتقادات ماسك لعمل الوكالة لا أساس لها من الصحة على الإطلاق، حيث تسهم أموال المساعدات في إنقاذ الأرواح، ومن شأن إيقافها ارتفاع حالات الوفيات بين الأطفال بسبب الملاريا، ووقف التجارب السريرية لمختلف الأدوية والأجهزة الطبية، واحتمالية انتشار فيروس نقص المناعة البشرية، وأكثر من ذلك.
وأكدت المجلة أن أي إصلاحات في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية يجب أن تتم بموجب تعديل على قانون إنشائها، حيث إنها وكالة مستقلة أنشأها الكونجرس الأمريكي وحدد اختصاصاتها بموجب قانون. كما أن الرئيس ــ ناهيك عن ماسك، الذي لم ينتخبه الكونجرس أو يصدق على أي ترشيح له ــ لا يملك السلطة القانونية لإلغاء الوكالة أو نقلها تحت إشراف وزارة الخارجية من جانب واحد.
وأوضحت أنه منذ عام 2016، أقر الكونجرس خمسة قوانين تفويض تحدد السلطات الجديدة والإشراف وتفويضات مستويات التمويل للوكالة، وتم التأكيد على استقلالها، ما يؤكد أن حل الوكالة أو دمجها في وزارة الخارجية دون إذن الكونجرس سيكون غير دستوري، خاصة وأن المادة الأولى من دستور الولايات المتحدة تمنح الكونجرس السلطة التشريعية لإنشاء وإلغاء الوكالات. وقد أكدت السلطة القضائية من جانبها على هذا الأمر.
وعليه، وبما أن الكونجرس أنشأ الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بموجب قانون، فإن السلطة التنفيذية تفتقر إلى السلطة الأحادية لإلغائها أو دمجها دون قانون مماثل من الكونجرس. ويجب هنا مراعاة أن هذا الأمر يمس بشكل جوهري مبدأ الفصل بين السلطات، ومن شأن انتهاكه أن يضعف بشدة استقلال الهيئة التشريعية.
ولفتت “فورين بوليسي” إلى أن مسألة إلغاء الوكالة غير دستورية وسياسة سيئة، حيث يجب أن تكون المساعدات مستقلة. كما أن دمج الوكالة مع وزارة الخارجية وبدء عملية تسريح جماعية للعمال هناك لا يخدم المصالح الأمريكية على النحو المأمول، ولا يجعل من الولايات المتحدة أكثر أمانا أو قوة.
ودللت المجلة على ما ساقته حول أهمية الوكالة ودورها بالإشارة إلى تقرير صادر عن مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في أفريقيا في 27 يناير الماضي، والذي أكد أن تفشي فيروس ماربورغ (حمى نزفية) أدى بالفعل إلى وفاة تسعة أشخاص في تنزانيا، ما يخلق خطرا حقيقيا للغاية للانتشار إلى بلدان أخرى في وسط وشرق أفريقيا وما وراء ذلك.
وحذرت المجلة من أنه إذا لم يتم احتواء الفيروس بسرعة، فقد يتطور إلى وباء إقليمي، كما حدث في غرب أفريقيا عام 2014 عندما انتشر وباء الإيبولا وأصاب أكثر من 13 ألف حالة في غضون أشهر. فرغم حدوثه في المقام الأول في غينيا وسيراليون وليبيريا، فإن العدوى انتشرت إلى مناطق بعيدة مثل الولايات المتحدة وإسبانيا.. واستغرق الأمر عامين وتطلب انتشار لعناصر من الجيش الأمريكي لاحتوائه.
ونوهت المجلة إلى أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تعمل على تمويل المنظمات المحلية في مختلف أنحاء العالم والتي يمكن أن تكون في كثير من الأحيان أكثر فعالية من غيرها في معالجة قضايا الصحة.. وتجلى ذلك في الاستجابة الفعالة لفيروس ماربورغ في عام 2023، عندما دعمت الوكالة، الحكومة التنزانية واليونيسيف لتأمين المعدات والأدوية والأشخاص اللازمين للاستجابة لهذا الفيروس، إلا أن كل الجهود ذات الصلة قد تجمدت الآن مع قرار الإغلاق.
ونبهت المجلة الأمريكية أيضا إلى إعلان منظمة الصحة العالمية حاليا عن 118 حالة طوارئ صحية منفصلة أخرى، ووجود فاشيات جديدة لفيروس الإيبولا في جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا، واكتشاف سلالة من فيروس ماربورغ من النوع الأول في الأمريكتين، مع تشكيل أنفلونزا الطيور أزمة إقليمية وعالمية متنامية، واستمرار تسجيل حالات إصابة بفيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز)، مشددة على أن كل واحدة من هذه الفاشيات لا تعرض الأرواح للخطر في جميع أنحاء العالم فحسب، بل إنها تخلف أيضا آثارا على السياسة الخارجية الأمريكية، القائمة على تركيبة معقدة بين الجغرافيا السياسية والاحتياجات الإنسانية.
وبناء على ما سبق، يجب مراعاة أن تقديم المساعدات الأمريكية بشكل أفضل وبالنتائج المأمولة يتطلب إبعاد جانب المساعدات الإنسانية عن أي تكتيكات للإدارة الأمريكية الجديدة.
المصدر: أ ش أ

