تحلّ علينا اليوم ذكرى رحيل صوت مصر الدافئ، الفنانة التي لم تكن مجرد نجمة سينمائية أو مطربة لامعة، بل حالة فنية وإنسانية متفردة تركت في الوجدان ما لا يتركه الزمن.. الفنانة التي أسرت القلوب بخفة ظلها، وبحضورها الملائكي، وبصوتها الذي رافق المصريين في كل مناسباتهم الدينية والوطنية، حتى أصبحت رمزاً لفن نظيف وصادق يستقر في الذاكرة لسنوات.
ولدت فاطمة أحمد كمال شاكر، التي اشتهرت باسم شادية، في 28 فبراير عام 1931 بحي الحلمية الجديدة في محافظة القاهرة، لأسرة مصرية بسيطة كان والدها أحد مهندسي الزراعة والري المهمين ومشرفًا على الأراضي الخاصة الملكية.
بدأت خطواتها الفنية عام 1947 بدور بسيط في فيلم “أزهار وأشواك” وهو دور لم يلفت الأنظار كثيرا لكن القدر كان يُعدّ لها انطلاقتها الكبرى في العام نفسه عندما قدمت أول بطولة لها أمام الفنان محمد فوزي في فيلم “العقل في إجازة” وهو العمل الذي وضعها سريعاً في دائرة الضوء وفتح لها أبواب النجومية.
عام 1947 أيضاً شهد بداية أحد أهم الثنائيات في تاريخ السينما المصرية، حين تعرفت شادية على الفنان كمال الشناوي، وعلى مدار 25 فيلماً شكَّلا ثنائياً ذهبياً لا يُنسى، أصبحت أفلامهما جزءاً من ذاكرة الجمهور وركيزة من ركائز ازدهار السينما في تلك الحقبة.
وفي عام 1952 كان مرحلة فارقة في مسيرة شادية؛ فقد قدمت خلاله 13 فيلما وهو رقم استثنائي يعكس حجم حضورها وطلب المنتجين عليها.
وتواصل تألقها حتى جاءت نقلة كبرى في حياتها الفنية عام 1962 مع دخولها عالم الإنتاج السينمائي في فيلم” اللص والكلاب” المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ، حيث شاركت في بطولته وأثبتت من خلاله قدرتها على تقديم أعمال ثقيلة تمثيلياً وفنياً، بعيداً عن صورة الفتاة الدلوعة التي اشتهرت بها في بداياتها.
وفي عام 1963 شاركت شادية بطولة الفيلم المصري – الياباني المشترك على “ضفاف النيل” مع كمال الشناوي ومحمود المليجي، من إخراج الياباني كوناكاهيرا، وصُوِّرت مشاهد الفيلم بين مصر واليابان؛ ليكون أحد التجارب النادرة التي جمعت بين ثقافتين مختلفتين وجعلت شادية في قلب سينما عالمية مبكرة.
رحلة شادية لم تقتصر على السينما؛ ففي عام 1980 ظهرت لأول مرة على خشبة المسرح من خلال مسرحية ريا وسكينة، التي تحولت إلى ظاهرة جماهيرية لم تشهدها أي نجمة سينمائية من قبل.. واستمر عرض المسرحية لسنوات داخل مصر وخارجها، لتثبت شادية أنها فنانة شاملة قادرة على النجاح في كل الفنون.. واختتمت مسيرتها الفنية عام 1984 بفيلم “لا تسألني من أنا”.
وبلغ رصيد شادية الفني 117 فيلماً و 10 مسلسلات إذاعية، ومسرحية واحدة إلى جانب ما يزيد عن 1500 أغنية بين العاطفية والخفيفة والوطنية.
وفي عام 1986 كان آخر ظهور لها في احتفالات الليلة المحمدية حيث قدمت أول أغنية دينية لها “خد بإيدي” وهي أغنية تحمل الكثير من الخشوع والصدق، وقيل إنها كانت سبب قرارها الحاسم بالاعتزال بعد أن شعرت بأن رسالتها الفنية قد اكتملت، لتنسحب بهدوء بعيداً عن الأضواء.
المصدر: أ ش أ

