يعيش أكثر من نصف مليون شخص في إقليم الفونج، داخل أكواخ مبنية بمواد محلية، يفتقدون إلى أبسط مقومات الحياة من صحة وتعليم وغيرها، وفي حين سعت الحركة الشعبية شمال التي تسيطر على تلك المناطق إلى بناء عدد من المدارس والمستشفيات خلال السنوات الأخيرة، فإن عمليات القصف الجوي المكثفة خلال الأشهر الأخيرة دمرت العديد من تلك المنشآت.
لكن حتى قبل الحرب، ظلت هذه المنطقة الممتدة على سلسلة من الجبال المخضرة، تعاني لعقود طويلة من النسيان وانعدام الخدمات الأساسية.
وطبقا لرصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان والنزاعات المسلحة أن التهميش الذي تعرضت له المنطقة كان “متعمدا”.
و قد حرمت هذه المناطق من النمو لأن ثروتها كانت مطلوبة بلا حقوق لأهلها. قد يفتح أي تحول جديد نافذة تاريخية على هذه المنطقة الغنية، لكن إذا اكتفى التحول بتغيير النخب سيعود التهميش بوجه جديد”.
يواجه أكثر من 400 ألف من سكان المنطقة خطر انعدام الأمن الغذائي، رغم أنهم يعيشون في أكثر مناطق السودان خصوبة وكثافة في هطول الأمطار.
ويقول يوسف إنه لم يعد قادرا على توفير الغذاء لأسرته، ليس بسبب عجزه عن العمل بعد فقدان رجله، لكن لأن الغارات الجوية تمنع المزارعين من ممارسة أعمالهم.
ولا تتوقف المعاناة عند انعدام الأمن الغذائي فقط، لكن الأزمة أثرت حتى على مستقبل أبنائه.
وأكد تقرير صادر عن منظمة أطباء السودان للتنمية، أن المنطقة تعرضت لأكثر من 40 غارة جوية خلال الفترة من مارس حتى سبتمبر 2025، استهدفت مناطق سكنية ومرافق صحية وتعليمية، مما أدى إلى وقوع خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات.
ووفقا لمراقبين، فإن سكان المنطقة ظلوا منذ مطلع التسعينات يواجهون آلة الحرب الموظفة ببعد ديني، حيث استخدم نظام الإخوان بعد استيلائه على السلطة عام 1989، شعارات جهادية لإخضاع تلك المناطق، مما أدى إلى مقتل مئات الآلاف، وأثر كثيرا على حياة السكان الذين يعتمد معظمهم على الزراعة المطرية.
وبعد اندلاع الحرب الحالية، عادت معظم المجموعات المتشددة التي كانت تقاتل في المنطقة باسم الدين، مثل قوات الدفاع الشعبي وكتائب البراء وغيرها، لترفع ذات الشعارات التي كانت تستخدم في تسعينات القرن الماضي.
وبحسب اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية لعام 1977، يحظر استهداف المدنيين والأعيان المدنية بشكل مطلق، سواء في نزاع دولي أو غير دولي، ويعد الهجوم المتعمد على المدارس والمستشفيات والأسواق والقرى جريمة حرب مكتملة الأركان.
ويشير كودي إلى أن “القصف الذي تتعرض له المناطق الواقعة في النيل الأزرق وجنوب كردفان ليس استثناء أو خللا فنيا، بل تنفيذا حرفيا لعقيدة قتالية تعتبر المدنيين جزءا مشروعا من بنك الأهداف، وحلقة في سلسلة طويلة من العنف المقصود، الذي يجعل المدنيين الهدف الأول في حسابات الدولة”.
وجدير بالذكر أن القصف الجوي الذي يتعرض له السكان لا يهدف إلى هزيمة خصم عسكري، بل تحطيم مستقبل المجتمع نفسه وإرغامه على الخضوع بالقوة، معتبرا أن القصف الجوي للأعيان المدنية أداة لتأديب المجتمعات الخارجة عن السيطرة.
المصدر : وكالات

