ظن المهندس بسام دباس انه لن يتمكن من العودة مجددا الى مدينة القريتين، مسقط راسه في وسط سوريا، بعد سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية عليها وخطف الجهاديين المئات من سكانها المسيحيين الذين كان في عدادهم.
وبعد ثمانية اشهر، وجد دباس (55 عاما) نفسه واقفا امام تبقى من جدران متفحمة في كنيسة دير مار اليان، حيث اعتاد الصلاة. ويكاد لا يصدق ان الجيش السوري تمكن من استعادة السيطرة على مدينته التي استولى عليها الجهاديون في أغسطس الماضي.
ويقول دباس وهو مهندس ميكانيكي لوكالة فرانس برس “لقد عدت للتو ولم اتمكن من رؤية منزلي بعد”.
وكانت مدينة القريتين الواقعة في محافظة حمص تعد رمزا للتعايش بين المسلمين والمسيحيين في سوريا منذ قرون. لكن الوضع تغير منذ سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية على المدينة واقدامه على خطف قرابة 270 من سكانها المسيحيين، كان دباس واحدا منهم، ونقلهم شرقا على بعد نحو تسعين كيلومترا في عمق الصحراء السورية حيث احتجزوا في قبو تحت الارض.
وبعد 25 يوما على احتجازهم، اطلق التنظيم سراح معظم المخطوفين وبينهم دباس الذي لم يعرف سبب ذلك. عاد الرجل الى القريتين قبل ان يتمكن من الفرار الى قرية تسيطر عليها قوات النظام بالقرب من مدينة حمص.
ويوضح دباس “ليس بمقدورك ان تتصور تصرفاتهم. ليست تصرفات بشرية على الاطلاق” مضيفا بتأثر “من الصعب ان اصدق انني ما زلت على قيد الحياة”.
وبعد خمسة ايام على استعادة قوات النظام سيطرتها على القريتين اثر اشتباكات عنيفة مع الجهاديين، بدات قلة من السكان بالعودة الى المدينة حيث كان يقيم نحو ثلاثين الف نسمة.
ويعاين العائدون الشوارع التي امتلأت بالركام فيما اثار المعارك واضحة على واجهات الابنية التي تدمر بعضها والمنازل التي نهبت محتوياتها وتضررت جدرانها. وتكاد المدينة تبدو اشبه بمدينة اشباح خالية من اهلها وتحتاج الكثير لاعادة بنائها.
ابل مستديرة رئيسية في المدينة، يسمح فيصل عبد الرحيم لمجموعة من الصحافيين بالدخول الى منزله فور عودته اليه. ويشرح كيف ان الكثير من مقتنياته قد سرقت فيما تدمر سقف غرفة الجلوس وتعم الفوضى في المطبخ.
ويقول بحسرة “انا حزين جدا لرؤية منزلي بهذه الحالة. انه امر مؤلم للغاية” قبل ان يضيف “نأمل ان يعيد الجيشان الروسي والسوري الامان الى هذه المدينة حتى نتمكن من اعادة بنائها مجددا”.
وتمكن الجيش السوري من استعادة السيطرة على القريتين يوم السبت الماضي في اطار هجوم واسع بدأه بدعم جوي روسي وتمكن خلاله من استعادة السيطرة على مدينة تدمر الاثرية الواقعة على بعد اكثر من مئة كيلومتر شمال شرق القريتين، في تقدم يعد الابرز للنظام منذ بدء موسكو حملة جوية في سوريا في 30 سبتمبر.
وتولى جنود روس الجمعة توزيع طرود تحتوي على مواد غذائية على المدنيين الموجودين في القريتين بحضور مجموعة من الصحافيين الذين وصلوا الى المدينة في اطار زيارة تنظمها وزارة الدفاع الروسية.
ويؤكد ازدشار مندو وهو عقيد في الجيش السوري داخل المدينة ان “معركة استعادة السيطرة على القريتين كانت شرسة لكننا الحمدالله اتممنا ذلك بنجاح بمساعدة اصدقائنا”.
ولا يزال الوضع هشا للغاية مع وجود مواقع لتنظيم الدولة الاسلامية في التلال المجاورة التي تبعد بين عشرة الى 15 كيلومترا عن المدينة وفق مندو الذي يؤكد “اننا مستعدون للتغلب عليهم وابعادهم اكثر من ذلك”.
وينصب اهتمام السكان حاليا على العودة الى منازلهم واستعادة مظاهر حياتهم كما كانت عليه قبل وصول الجهاديين الى المدينة.
ويوضح مصطفى شبلق، وهو ضابط متقاعد من الجيش السوري، عاد الى القريتين برفقة شقيقه تاركا افراد عائلته في حمص ان منزله “مدمر بنسبة خمسين في المئة” لافتا الى ان مسلحين موالين لقوات النظام يقيمون فيه حاليا ويرفضون مغادرته.
لكنه يشدد على ان الاهم بالنسبة اليه هو تمكنه من العودة الى مدينته بعد طرد تنظيم الدولة الاسلامية منها.
ويضيف شبلق الذي كان يدير ورشة لاصلاح المحركات قبل نزوحه “طالما ان المدينة خالية من هؤلاء المجرمين فلا بأس”.
ورغم الصعوبات والتحديات الكبرى، يعتبر شبلق ان عملية اعادة الاعمار يمكنها ان تبدأ الان. ويقول “ذات يوم تدمرت برلين بالكامل لكنها اليوم مدينة عظيمة”.
المصدر : وكالة الأنباء الفرنسية ( أف ب )