لا شك أن تراجع فرص العمل، وارتفاع تكاليف العيش وضغوط الحياة اليومية، دفعت آلاف المصريين لخوض مغامرة السفر إلى ليبيا، ضاربين عرض الحائط بتحذيرات السلطات، بل لجأ بعضهم مؤخراً للتسلل عبر وسطاء للجانبين، غير مبالين بمخاطر دخول ليبيا بعد أن أصبحت بالنسبة للمصريين ينطبق عليها المثل القائل “موت وخراب ديار”.
فأغلب المصريين في ليبيا إما مفقودًا أو مشروع رهينة أو محتجزًا على أيدي الكتائب المسلحة التي تحكم قبضتها على ربوع ليبيا.
فقد سلمت السلطات الليبية جثة مواطنين مصريين عثر عليهما مقتولين بالقرب من مدينة طبرق الليبية شرقي البلاد، حيث كانا ضمن قافلة تضم عشرات المتسللين للحدود بطريقة غير شرعية، تخلى عنهم الوسطاء وتركوهم في الصحراء بلا طعام ولا شراب ولا مأوي، فكان مصيرهم الهلاك.
وجدير بالذكر أن العناية الإلهية قد أنقذت نحو مائة شخص من الموت المحقق في الصحراء الشرقية بين مصر وليبيا، بعد أن ضلوا الطريق وتركتهم العصابية الليبية عمداً للهلاك بسبب الخلاف على تسديد مقابل تهريبهم إلى داخل ليبيا، فمات عدد منهم ونجحت فرق الإنقاذ الليبية في انتشال بعضهم بعد أن أرشد ناجون منهم عن باقي رفاق رحلة الموت في قلب الصحراء.
فلا يمر يوم بدون أن تحمل الأخبار عمليات قتل أو احتجاز أو اعتقال مصريين في ليبيا، كأنه أصبح مسلسلاً يومياً مكتوبًا على المصريين متابعته بلا أي ذنب وسط حالة عجز كامل من جانب البعثات الدبلوماسية المصرية العاملة لدى ليبيا، وبالطبع لا تملك الحكومة الليبية الحماية، كما حدث في عملية اختطاف رئيس الوزراء الليبي علي زيدان في مطلع الشهر الحالي، خاصة أن ليبيا تعيش حاليا تحت رحمة الميليشيات المسلحة التي تفرض إرادتها وقراراتها ليس فقط على العمال المصريين البسطاء، بل أيضا على كافة أوجه الحياة اليومية.
من سوء الحظ أن أوضاع المصريين في ليبيا، ظلت مرهونة دائماً بمدى دفء العلاقات الرسمية بين القاهرة وطرابلس، كان هذا في زمن مبارك والقذافي، حيث تفنن النظامين في تحقيق مآربهما السياسية على حساب الشعبين، وتطلع المصريون بعد ثورة 17 فبرير التي أطاحت بنظام القذافي أن يتحسن أحوالهم وتفتح أمامهم فرص آمنة للرزق في ليبيا تعوضهم عن سنوات عهد القذافي التي كان يستخدمهم كورقة ضغط على القاهرة لجني مكاسب وتنازلات تصب في دعم سلطته وحده.
وجدير بالذكر أن المخاطر تتضاعفت بالنسبة لأوضاع العمالة المصرية في ليبيا، منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي، خاصة بعد أن تعاطفت جماعة الإخوان الليبية مع إخوان مصر، وجرت تسريبات حول تجهيزهم جيش من المسلحين مستعدين لدعم الإخوان في استعادة ( الشرعية) و بالتالي قررت السلطات المصرية وقف منح تأشيرات دخول الليبيين بشكل صارم؛ فما كان من الجانب الليبي سوى العمل بالمثل وأوقف منح المصريين تأشيرات دخول؛ مما أدى إلى انتعاش فرص سماسرة الحدود الذين وجدوها فرصة لتحقيق مكاسب ضخمة لتهريب الراغبين في دخول ليبيا عبر الحدود مع مصر.
و بالتالي أصبح الجو العام المعبئ ضد المصريين لدي الليبيين، فبدأ الكثير من العاملين المصريين في ليبيا يواجهون أوضاعا صعبة كما أدي عدم توافر الحماية الحكومية اللازمة إلى تشجيع الكثير من الليبيين على استغلال المصريين وهضم حقوقهم، بل وتعذيبهم والتنكيل بهم في بعض الأحيان.
و مما لا شك فيه أن الوضع القاسي للعمالة المصرية في ليبيا مرشح لما هو أسوأ، خاصة في ظل غياب الاستقرار وعدم وجود جيش وشرطة ليبية قادرة على بسط الأمن وتوفير الحماية ليس للمصريين فقط، بل للمواطنيين الليبيين أيضاً.
المصدر: وكالات