في إقليم “الصحراء والساحل” في أفريقيا ، وخلال حزام يمتد من السنغال غرباً إلى السودان شرقاً : هناك معاناة شديدة من مواسم الجفاف القاسية ، وحين ينزل الغيث فإن الناس يفرحون ، لكن هناك الجانب السلبي لكل شيئ : وهو يتمثل هنا في منا رطبة لتكاثر البعوض ، بكل أمراضه ومتاعبه ، وتفيد مجلة “نيتشر” العلمية العالمية بأنه في مالي هناك جهود غير تقليدية في الحرب على البعوض : منها استخدام الكلاب في مقاومته ! إن سلالة الكلاب واسعة الانتشار “الجرمان شبرد” التي اعتدنا أن نسميها “الوولف” يمكن أن تقوم بدور فعال في هذا السبيل :فالمعروف طبعاً عن هذه الكلاب قدرتها المتميزة على الشم ، والمعروف أيضاً أنها لهذا تستخدم على أوسع نطاق في الأعمال الشرطية ، وهاهي تثبت قدرتها في اكتشاف مواطن البعوض !
تقول “نيتشر” في تناوها الموضوع : إن البعوض يتسبب في إصابة الملايين بحمى الملاريا سنوياً ، ويقتل أكثر من نصف المليون معظمهم من الأطفال الأفارقة ، لذلك فمقاومة تلك الحشرات – خصوصاً في القارة السمراء – أمر لازم إلى أبعد حد .
هناك لغز حقيقي يحير العلماء : إن موسم الجفاف المعتاد في المنطقة المذكورة قد يدوم 8 أشهر ، فأين يذهب البعوض خلالها ؟! عجيب فعلاً أنه في وقت أصبح كل شيئ تحت الرصد والمراقبة والمتابعة أن يظل مثل هذا التساؤل حائراً يبحث عن إجابة .
أين يختبئ البعوض في إقليم “الصحراء والساحل” الأفريقي في مواسم الجفاف وحتى سقوط الأمطار وتكون مناطق رطبة صالحة للتكاثر ؟ وماهي “إسترتتيجية” الهجوم التي تتبعها هذه الحشرات في هجومها على الناس ، لتمتص دماءهم .. وتنقل إليهم الملاريا ؟ في مدينة “روكفيل” في ولاية “ميرلاند” الأمريكية يوجد مركز علمي مهم يعني بالحشرات ناقلة الأمراض هو “معمل بحوث الملاريا وناقلات الأمراض” وقد صمم علماؤه على التصدي للإجابة على التساؤل والمساهمة في تقليل الخطر : وماتوصلوا إليه حتى الآن أن البعوض يظهر بصورة كثيفة للغاية ، بمعدلات سريعة جداً في قرى تعرف الزراعة في مواسم الأمطار ، وهم يفسرون هذا بأن تلك المواسم تصاحبها رياح سريعة .. هي التي تحمل البعوض بتلك السرعة .
لكن هل يعرف البعوض ظاهرة “البيانات الصيفي” المعروفة جيداً لدى العديد من أنواع الحيوانات ؟ هذا هو مايميل إليه الآن علماء “روكفيل” في مركزهم الذي يتبع “المعاهد الصحية القومية” الأمريكية ، وإن كانوا لايقطعون به ، وإذا كان صحيحاً ك فسيكون نوعاً غريباً من البيات .
في الوقت نفسه : تقوم مؤسسة علمية فرنسية بجهود أخرى مهمة في الموضوع ذاته مسرحها السنغال : وتميل إلى أن البعوض إنما يختبئ في مواسم الجفاف في أماكن رطبة خفية ، مثل أصول الأشجار والشقوق الموجودة في قيعان البرك الجافة ، ويرى “معهد بحوث التنمية” الموجود في مدينة “مونبلييه” الفرنسية أنه تفسير أكثر معقولية من فرضية “البيات الصيفي” .
الأمر المؤكد على كل حال : أن هناك مخابئ يتوارى فيها البعوض في إقليم “الساحل والصحراء” ، فلماذا لاتتم مهاجمة هذه المخابئ ..والقضاء على البعوض فيها من قبل أن يغادرها وينتشر ؟
تلقف الفكرة “مركز تدريب الكلاب” في “سانتاروزا” بولاية “كاليفورنيا” الأمريكية : وأقدم على فكرة جريئة ، تتلخص في التعرف بواسطة كلاب مدربة تدريباً خاصاً على أماكن اختباء البعوض ، عن طريق تمييز رائحته .
الآن تشهد مالي – التي تمر بموسم جفاف يمتد حتى ديسمبر القادم – أول تجارب تستخدم فيها تلك الكلاب في مقاومة البعوض ، وهناك أمل كبير في نجاحها .
المصدر : مجدي غنيم المحرر العلمي لقناة النيل

