الشيخ محمود صديق المنشاوي ثالث فرسان عائلة الشيخ صديق المنشاوي التي ضمت 18 فردًا حفظوا وخدموا القرآن الكريم في كل مكان رحلوا وأقاموا فيه.
الشيخ محمود صديق المنشاوي قارئ قرآن من مصر . ولد القارئ الشيخ محمود المنشاوي عام 1943 بمركز المنشاة بمحافظة سوهاج جنوب مصر، حفظ القرآن الكريم في الثامنة من عمره، ويعد قارئًا ابن قارئ هو الشيخ صديق المنشاوي، وشقيق قارئ هو الشيخ الشهير محمد المنشاوي ووالد قارئ هو الشيخ صديق محمود المنشاوي.
تمكن من الالتحاق بإذاعة القرآن الكريم بعد ثمانية أشهر على رحيل شقيقه القارئ محمد صديق المنشاوي، سجل المصحف مرتلا، ولكن لا يزال حبيس أدراج الإذاعة المصرية، له عدد من التسجيلات في البلاد التي سافر إليها منها الكويت والإمارات واليمن والسودان وإيران وماليزيا وجنوب أفريقيا.
وله العديد من المحافل القرآنية في صعيد مصر التي تُقرأ في العزاء أو المناسبات الدينية.
والشيخ محمود صديق أحد أفراد هذه السلسلة الطيبة صاحب الصوت الشجي الباكي، ذاع صيته بين اهله في جنوب مصر قبل أن يحضر للقاهرة ويدخل الإذاعة المصرية، قرأ السورة في أعز مساجد المصريين مسجد الإمام الشافعي كما طاف عددا من مدن وبلدان العالم الإسلامي.
وأبا عن جد، وجدا عن سابع جد تتوارث هذه العائلة تلاوة وتجويد كتاب الله، حيث يقوم الأبناء بغرس حب التلاوة في أولادهم ثم احفادهم، فعائلة الشيخ صديق المنشاوي التي أطلق عليها عائلة “بيت القرآن” خرج منها الشيخ محمد صديق المنشاوي رحمه الله، ثم الشيخ محمود صديق المنشاوي إلى جانب الوالد الكبير الشيخ صديق المنشاوي، وأخيرا الشيخ صديق ابن الشيخ محمود.
يتحدث الشيخ محمود عن نفسه قائلا: نشأت في أسرة طابعها وعيشتها الأولى القرآن الكريم، فهذا والدي الذي ذاع صيته دون أن يدخل الإذاعة، وذاك أخي الشيخ محمد الذي أصبح ملء السمع والبصر إلا أن الله توفاه ولم يتعد الأربعين عاما، وهأنذا أكمل طريق الدعوة إلى الله بالقرآن.
حفظت القرآن الكريم وسني لم تتجاوز 9 سنوات، كنت أردد الآيات التي حفظتها في كل مكان أذهب إليه، إلى جانب أنني كنت ملاصقا لوالدي الشيخ صديق المنشاوي، حيثما يذهب إلى المناسبات والحفلات التي كان يحييها وكان ذلك حرصا مني على تعلم التلاوة والترتيل والتجويد في عائلة وهبت نفسها للقرآن الكريم منذ نحو 150 سنة حيث سبقنا عمي الكبير الشيخ أحمد المنشاوي بالتلاوة.
وعن بداية التفرغ لترتيل كتاب الله يقول الشيخ محمود: قررت أن اترك بلدتي لالتحق بالمعهد الديني الأزهري بالقاهرة بعد أن أكملت دراستي الاعدادية والثانوية لكن حالت ظروف خاصة بيني وبين أن أكمل دراستي الجامعية.
بدأت أخطو الخطوات الاولى نحو تعلم القراءات وأصولها، حيث نهلت علم القرآن الكريم والقراءات على يد الشيخ عامر عثمان شيخ المقارئ المصرية والشيخ أمين ابراهيم اللذين كان لهما فضل كبير في تعليم التجويد.
ويضيف الشيخ محمود: بعد أن تعلمت أصول القرآن تقدمت للامتحان بالإذاعة المصرية وكان يعقد الامتحان أولا في الأصوات ثم كيفية خروج الحروف ونطقها، وكانت اللجنة مكونة من الشيخ عامر عثمان والشيخ أمين إبراهيم، وبفضل الله وتوفيقه نجحت، ويعود هذا إلى وجود الكتاتيب وإلى الرغبة الجارفة لدى المسلمين وحبهم لسماع القرآن الكريم من المقرئين، فظهرت سمة التباري بين الشيوخ في حفظ القرآن وتجويده من شيوخ عظام خصصوا منازلهم لتعليم قراءات القرآن وكان على رأس هؤلاء الشيوخ الشيخ إبراهيم شحاتة عالم القراءات البارز في ذلك الوقت.
المرحوم الشيخ محمد أخي الأكبر كنت قد ذهبت إليه بعثة من الإذاعة لكي تسجل له في الصعيد، أي أن الإذاعة كسرت جميع المبادئ وذهبت هي إليه، فقد جرت العادة المتبعة أن القارئ يتقدم بطلب للشئون الدينية ويتم تحديد موعد له للاختبار هذا عادة ما يحدث لأي قارئ يريد التقدم للإذاعة.
ولكن هذا عكس ما حدث مع أخي محمد صديق رحمه الله فقد أمر رئيس الإذاعة أن تسافر بعثة من الإذاعة لتسجل له في أقصي الصعيد وفعلاً جاءت البعثة في بداية الستينيات، وسجلت له ما يقرب من 12 ساعة ولكن للأسف هذا أحدث حساسية في نفوس بعض القراء، فكيف تسعي الإذاعة إلي محمد صديق المنشاوي في حين أن كبار القراء هم الذين يسعون إلي الإذاعة؟ فالشيخ مصطفي إسماعيل مثلاً وهو يعتبر من عتاة القراء وأيضاً الشيخ أبوالعينين شعيشع تم عمل اختبار لهم قبل قبولهم في الإذاعة ماعدا والدي الشيخ صديق وأخي الشيخ محمد صديق المنشاوي وعندما تم إذاعة القرآن بصوته لمع صيته وازدادت شهرته في مصر علاوة علي كل إذاعات العالم وكان لابد من التواجد في القاهرة بجانب الإذاعة من كثرة الطلبات لأن الإذاعة كانت علي الهواء في ذلك الوقت وكان لابد للقارئ أن يكون متواجداً بصفة دائمة وانتقلنا إلي القاهرة عام 62 وكان عمري آنذاك 17 عاماً وتقدمت للإذاعة وقبل التقديم مباشرة كان يوافق يوم ليلة الإسراء والمعراج ففوجئت بمكالمة من رئيس الإذاعة «محمد حماد في ذلك الوقت» وأيضاً اتصل بي أحمد فراج وطلبوا مني إحياء ليلة الإسراء والمعراج في السيدة زينب وكانت غالبية الوزراء موجودين في ذلك الوقت لحضور هذا الحفل الذي افتتحه الشيخ مصطفي إسماعيل وقمت أنا بختمه وقرأت لمدة سبع دقائق فقط لكن عرفتني معظم الجمهورية من خلال هذه الليلة ومنذ ذلك الحين بدأت شهرتي وتقدمت للإذاعة وتم وضعي في البرنامج وقبولي بعد الاختبار من أول مرة واستقررت منذ السبعينيات في القاهرة وكانت الطلبات كثيرة والشهرة أوسع في القاهرة ففيها الشهرة أسهل والوصول إليها أسهل بكثير.
ولعل الخشوع والتباكي عند قراءة كتاب الله هما أفضل ما خص الله به صوت والدي وأخي وأنا والحمد لله، وهو بكاء يزيد من احساس المستمع بالمعنى ولا يقلل هيبة القارئ.. كما أنه لا يعمل على إطراب الناس بقدر ما يعمل على توصيل المعنى الإيماني والحكم الشرعي في الآية القرآنية.
وأذكر في هذا المجال أن بعضا من المستمعين كانوا يطلبون منا قراءة سورة بعينها أو آيات خاصة مثل سورة “الفجر” أو سورة “ق” أو سورة “الكهف” لأنها تمثل عندهم معنى خاصا، وقد جعلني هذا أراجع السور والآيات وأدقق في القراءات وذلك حتى أضع حدودا علمية لمساحة التجاوب مع المستمعين، إذ إن محاولة إرضاء المستمع لا يجوز أن تطغى على المعنى أو صحة القراءة.
ويتوقف الشيخ المنشاوي إمام مسجد الإمام الشافعي رضي الله عنه بالقاهرة حيث يعتبره علامة مميزة في حياته القرآنية، كما كان الشافعي علامة بارزة في تاريخ الدعوة والفقه الإسلامي المديد.
يقول: بعد أن نجحت في الدخول إلى الإذاعة كمقرئ لكتاب الله، تقرر أن أقوم بقراءة السورة في مسجد الإمام الشافعي بحي مصر القديمة . ولقد هالني الاختيار وتهيبت الفقيه في مرقده كما كان يتهيبه العلماء والأمراء في حياته.
والشيخ محمود صديق يفرق بين الترتيل والتجويد حيث يقول إن الترتيل هو قراءة القرآن الكريم بدون نغم أو تلوين في الصوت، وهى القراءة التي نسمعها حاليا في إذاعة القرآن الكريم، أما التجويد فهو ترك الصوت حسب طبيعته وفي تمهل للقراءة، وفيه تلوين في النغمات الموسيقية ذاتها، لذلك فإنه يجب على أي قارئ للقرآن الكريم وأنا منهم إتقان حفظ القرآن جيدا، مع حفظ مخارج الحروف مع مراعاة أصول التلاوة والترتيل من مد وإظهار وإخفاء وإدغام وغنة، وهذا هو التغني عند تلاوة القرآن وهذا ما تبرزه القراءات السبع والعشر والأربع عشرة لنافع المدني وابن كثير المكي وأبي عمرو البصري وعاصم وهشام وأبي جعفر ويعقوب وغيرهم.
ولعلني أتذكر أن أهل القرآن قد أطلق عليهم أهل الدموع وهذا هو معنى قوله تعالى في سورة “المائدة” (آية 83): “وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين”.
أحب الشافعي حبا جما، لكن عندما علمت أن الذي كان يقرأ السورة في الإمام الشافعي هو الشيخ عبدالباسط عبدالصمد رحمه الله أحسست بخوف شديد، وهذا الاحساس أعطاني عزة بالنفس، فتوكلت على الله واستخرته، فقمت بالقراءة لأول مرة في مسجد الإمام الشافعي، ويومها وفقني الله أيما توفيق، وكانت الانطلاقة من هذا اليوم، وقد كان انضمامي إلى قراءة السورة في مسجد الإمام الشافعي، بعد وفاة أخي الشيخ محمد بثمانية أشهر، وكانت أول قراءة في رمضان، ثم قرأت أول تلاوة في المسجد الحسيني في صلاة الفجر بعد اعتمادي في الإذاعة المصرية في فبراير عام 1970.
انطلق صوت الشيخ محمود صديق في الدول الإسلامية والعربية بالذات، وهو يحمل رصيدًا هائلاً من حب الناس لعائلة المنشاوي وبالأخص المرحوم الشيخ محمد صديق، يتلو القرآن في هذه الدول، حيث نال إعجابا واستحسانا كبيرين، فقد زار الشيخ محمود السعودية واليمن والإمارات والسودان كسفير للقرآن الكريم، ثم أوفدته وزارة الأوقاف المصرية إلى لندن وكان معه الشيخ حجاج السويسي لإحياء شهر رمضان لدى المركز الإسلامي والجالية الإسلامية.
ويقول الشيخ محمود “تلقيت نبأ سفري إلى لندن وأنا في بلدتي المنشاة بسوهاج، وكم كنت سعيدا بهذا الاختيار، كنا نؤم المسلمين ونصلي بهم الفروض وصلاة القيام طوال رمضان، وكذلك ختم القرآن الكريم، لقد تأكدت أن معجزة القرآن الكريم تكمن في تأثيره على الناس حتى لو لم يكونوا يفهمونه نظرا لاختلاف اللغة، وفي هذه الدول على وجه التحديد يجب على القارئ أن يتحلى بخلق القرآن وأن يكون قدوة حسنة وسفيرا خلوقا وأن يصحح النية أولا لكي تكون هجرته لله، وليس من أجل المال والدنيا والسمعة لأن تأثيره على الناس كبير”.
ويقف الشيخ محمود صديق طويلا أمام رحلته مبعوثًا إلى دولة ماليزيا في الثمانينات حيث قضى بها سبعة عشر يوما، فبعد هبوطه من الطائرة في مطار كوالالمبور، لم يتخيل على الإطلاق أن يكون الاستقبال بهذه الحفاوة والترحيب.
ويقول “احتشد المئات من الماليزيين لاستقبالي بالورد يتقدمهم مسؤول رسمي لا لشيء الا لأنني احمل القرآن الكريم وقد أخذت اشق طريقي إلى السيارة التي أقلتني بصعوبة وبعد فترة زمنية فوجئت بالإذاعة الماليزية تقطع إرسالها، وتخبر عن وصولي وإذا بالمذيع يطالب جموع المسلمين بالتوجه إلى المسجد الكبير بعد الإفطار مباشرة للاستماع إلى تلاوة القرآن الكريم بصوت الشيخ المنشاوي وتوجيه الاستفسارات الدينية. هنا اعتراني خوف شديد امام الاسئلة التي تحتاج إلى عالم جليل من الأئمة والمفسرين، حتى ذهبت إلى حجرة الإقامة بالفندق وقد ترامى إلى أذني التنويه الذي سمعته من راديو السيارة يذاع أيضا بالتلفزيون وكم تمنيت يومها أن ألم بعلوم ومقاصد الشريعة والفقه وذهبت بعد الإفطار إلى المسجد الكبير، وفور وصولي وجدت المسجد وقد اكتظ بالآلاف من المصلين وأخذت طريقي إلى دكة التلاوة حيث امتدت إليّ مئات الأيادي لتسلم عليّ وحرصت على الإطالة في التلاوة وفي قرارة نفسي ألا أتوقف عن التلاوة، حتى أشاروا إليّ بالتوقف، وبدأت الأسئلة وكانت كلها عن عدد الركعات في الصلاة وكيفية الوضوء.
والشيخ محمود صديق فخور بهذا الكرم القرآني العظيم ويقول “لقد توفي والدي رحمه الله، ولم يحصل على أية أوسمة، لكن الله عوضه بوسام من الرئيس محمد حسني مبارك”.
المصدر : النيل للأخبار
ر