الشيخ طه حسن مرسي الفشني أحد أعلام قراء القرآن والمنشدين المصريين.
ولد سنة 1900م بمركز الفشن بمحافظة بني سويف .
حفظ القرآن ثم تعلم القراءات، وتدرج الشيخ طه في دراسته الدينية والعامة وحصل على كفاءة المعلمين من مدرسة المعلمين سنة 1919م.
حضر الشيخ طه إلى القاهرة، والتحق ببطانة الشيخ علي محمود، ثم ذاع صيته بأنه قارئ ومنشد حسن الصوت.
التحق بالإذاعة المصرية سنة 1937م، وعين قارئًا لجامع السيدة سكينة سنة 1940 وحتى وفاته.
اختير رئيسًا لرابطة القراء خلفًا للشيخ عبد الفتاح الشعشاعى سنة 1962م .
كان الشيخ طه صاحب مدرسة متفردة في التلاوة والإنشاد، وكان على علم كبير بالمقامات والأنغام، وانتهت إليه رئاسة فن الإنشاد في زمنه فلم يكن يعلوه فيه أحد، وهو أشهر أعلام هذا الفن بعد الشيخ علي محمود.
من أشهر التواشيح كانت ميلاد طه “ياأيها المختار” ، “حب الحسين” .
وابتهالات مثل “السلام عليك يا شهر رمضان” .
الشيخ الفشني لم يترك صوته مجالا إلا وكانت له بصمة ما بين تلاوة القرآن وتراتيل التواشيح وإنشاد المديح، صوته واسمه محفوران في ذاكرتنا كأشهر مؤذن، لصوته عذوبه وحركة لم يمتلكها أحد غيره ينتقل بين مقامات الموسيقية بصورة غير مألوفة وعندما تسمعه وهو قارئ للقرآن كأنك تسمع واحدا غيره وهو ينشد المديح، خصوصية وعزوبة صوته لم يمتلكه أحد سواه نشعر بها عندما يخرج بصوته في ساعة عصاري منشدا الأذان.
كان والده الشيخ طه مرسي الفشني تاجر أقمشة من ميسوري الحال اختار لابنه أن يكمل تعليمه بعد أن دخل الكتاب وحفظ القرآن وعمره 10 سنوات وقبل أن يصل عمره للعشرين اكمل تعليمه وحصل على مدرسة المعلمين وفي دراسته في تلك المدرسة.
اكتشف عذوبه صوت الشيخ طه الفشني ناظر المدرسة وأسند إليه القراءة اليومية للقرآن في الطابور وحفلات المدرسة، ولكن لم يكن حتى ذلك الوقت يعد الشيخ الفشني عذوبه صوته في التلاوة القرآنية خاصة أن طموح والده كان أن يكمل ابنه دراسة القضاء الشرعي وبالفعل ذهب الشيخ طه الفشني إلى القاهرة للالتحاق بمدرسة القضاء الشرعي إلا إن ثورة 19 كانت مشتعلة، والأحداث حالت دون استقراره في القاهرة فعاد مرة أخرى إلى بلده الفشن وان كان اختار طريقه فذهب يحيي السهرات في المأتم كقارئ للقرآن في بلدته والقري المجاورة له.
بدأ يأخذ سمعه أنه قاريء للقرآن الكريم ولكنه لم يكن مضطرا في الاستمرار في القراءة للقرآن خاصة أنه من أسرة ميسورة الحال وكان شيئا ما يجذبه ناحية القاهرة عندما لم يتمكن في المرة الأولى عندما حضر اليها من أن يلتحق بمدرسة القضاء الشرعي عاد ولكن كان منظر حي الحسين في خاطره، ألتحق بالأزهر الشريف في هذه المرة ولكن بغرض أن يتعلم فنون القراءات وحصل بالفعل على اجادة علم القراءات على يد الشيخ عبد الحميد السحار واتقن علوم التجويد.
أقام بحي الحسين وكان قريبا منه في السكن الشيخ على محمود ملك التواشيح الدينية، وكان للشيخ على محمود فرقة تواشيح خاصة فعرض على الشيخ طه الفشني أن ينضم لبطانته.
وفي هذه الفترة كانت فرصة جيدة أن يتعلم الشيخ طه الفشني الطرب خاصة أن الشيخ على محمود يعد مدرسة الطرب المصري فعلي يديه تعلم محمد عبدالوهاب الموسيقا، وعلي يديه أيضا دخل الشيخ طه الفشني فن التواشيح والمديح، وكان زميل الشيخ طه الفشني في فرقة الشيخ على محمود الملحن زكريا أحمد.
ولكن طريق الشيخ الفشني كان مختلف ففي أحد الليالي بحي الحسين عام1937 كان في حفلة ضخمة وكان يحضرها سعيد باشا لطفي رئيس الإذاعة المصرية وكانت علاقة خاصة تجمع بين الشيخ على محمود والشيخ طه الفشني لأنه يعتبره تلميذه وامتدادا له وأعطي الشيخ على محمود الفرصة للشيخ طه الفشني أن يقرأ أمام رئيس الإذاعة وأعطي الشيخ على محمود مقعده للشيخ طه وبدأ يقرأ القرآن.
كانت الإذاعة بمثابة محطة مهمة للشيخ طه الفشني، لأن اسمه انتشر في كل مكان في بر مصر بعدها بفترة حانت له فرصة أن يلازم الشيخ مصطفى إسماعيل في السهرة الرمضانية في السرايا الملكية عند الملك فاروق.
“من كتر حبه للحسين حفظ القرآن” هذا ما سمع به وحيد عنه من أقاربه، فأصبح الشيخ طه مؤذن مسجد الحسين، ومُحيي لياليه “ويتولى مدح آل البيت”، كذلك الليلة الأخيرة للسيدة زينب .
فى إحدى الليالى بحى الحسين عام1937 كان الشيخ طه الفشنى متواجدا فى حفلة ضخمة كان يحضرها سعيد باشا لطفى رئيس الإذاعة المصرية وكانت علاقة خاصة تجمع بين الشيخ على محمود والشيخ طه الفشنى لأنه يعتبره تلميذه وامتدادا له وأعطى الشيخ على محمود الفرصة للشيخ طه الفشنى أن يقرأ أمام رئيس الإذاعة وأعطاه مقعده وبدأ يقرأ القرآن، وكان يوم تجل للشيخ طه وغرد فيه بشكل غير طبيعى لدرجة أبهرت سعيد باشا لطفى رئيس الإذاعة وبعد أن أنهى الشيخ طه القراءة استدعاه رئيس الإذاعة وقال له “ياشيخ طه بكرة لازم تكون عندنا فى الإذاعة المصرية، وصوتك لازم يأخذ فرصته ويستمع له الناس فى كل بر مصر” وفى اليوم التالى ذهب الشيخ طه الفشنى للإذاعة وأجرى اختبارا، والتحق بالإذاعة المصرية سنة 37 وقدرت لجنة الاستماع صوته بأنه قارئ من الدرجة الأولى الممتازة وكان مخصصا له قراءة ساعة إلا ربع فى المساء فى الإذاعة المصرية.
ورغم أن نجم الشيخ طه الفشنى لمع فى عالم تلاوة القرآن لكنه استمر كمنشد دينى وحانت له الفرصة عندما مرض الشيخ على محمود وكانت هناك مناسبة كل شهر هجرى تنظم الإذاعة فيه حفل إنشاد دينى وطلبت منه الإذاعة أن يحل محل شيخه على محمود ولكنه رفض أن يقبل طلب الإذاعة إلا بعد موافقة الشيخ على وذهب إليه فقال له الشيخ “اذهب يا طه يا ابنى اقرأ انت خليفتى” وأذيعت الحفلة وازدادت شهرة طه الفشنى فى فن الإنشاد الدينى مما دعاه أن ينشئ فرقة خاصة به للإنشاد الدينى عام 1942 مع استمرار عمله كمقرئ.
وتكريما له بعد وفاته فى الخامس من فبراير عام 1972 أطلق اسمه على أحد شوارع مدينة نصر بجوار مسجد الأرقم بالقاهرة، ومن أعمال طه الفشنى “إسقنى فى الحان راحى – أنت للإحسان أهل – إهدى قلبى وخاطرى وضميرى – إذا باهى الأنام بأى هاد – آخذ بالروح منى – ألا زعمت ليلى بأنى أحبها – بشراك يا نفس – ترنم يا شجى الطير – كن عن همومك معرضا”.
كان مركز الفشن بمحافظة “بني سويف” قد خلا من شيخه الذي لحق باسمه وعُرف به، لكن ظل بالمدينة شيوخ على درب المُنشد سائرون، كانت أصواتهم ممتدة على قدر ما استطاعوا، حينما يُسألوا “بتمد الحتة دي ليه”، يردوا “زي الشيخ طه”.
اسمه “طه حسن مرسي الخرشة” لحق بكنية عائلته اسم مدينته، فـ”اشتهرت الفشن بيه”، كما يقول “أحمد وحيد”، أحد أقربائه، كان صوته في إنشاده يقطع المسافات، ثم يأتي ساكنًا دون أثر لتعب، اكتشف هبة صوته ناظر مدرسته بالمنيا، حينما كان بمدرسة المُعلمين، فصارت الإذاعة المدرسية مفتتحًا له، ثُم من بعدها عيشه بالقاهرة، وإحياء الليالي الرمضانية.
سافر مرتان للقاهرة، الأولى كانت مؤقتة، والثانية دام فيها العيش، أما الأولى فكانت لدراسة العلوم الفقهية لكن ثورة 1919 حالت دونها، مع إدراكه لصوته أحيى ليالي المآتم بالفشن وقراها، لكنه كان “طموح”، كما ذكر “وحيد الخرشة”، والد “أحمد”، لذا كان سفره الثاني، فجَاور مسجد حفيد الرسول، درس بالأزهر أحكام التلاوة والتجويد، كذلك علم الموسيقى والمقامات، وصار مقربًا من الشيخ علي محمود، وضمن بطانته، حتى قال عنه “أنت خليفتي” ذات مرة حينما مرض الشيخ محمود، وطلبت الإذاعة أن يحل الشيخ الفشني مكانه.
لم يكن الشيخ الفشني مميزًا فقط بدروب صوته المنوعة، لكن بطانته المحيطة به كانت سببًا في التماع تواشيحه الدينية، التي استمع إليها محبيه عبر الإذاعة المصرية والتليفزيون، كذلك الإذاعة البريطانية، كانت حلقته تلك تُضيف روحًا على روحه، الأصوات المًنغمة المحيطة به كانت طبقات من أصوات الجنة، كما كان صوته الذي يصول به بين المقامات، ذلك كله أضفى على تواشيحه روحانية، ما جعل المستمعين بجواره، والتي تُسجلها بعض الابتهالات مثل “يا أيها المختار”، من سلطنة الحضور وقولة “الله” بعد كل مقطع.
إن الشيخ طه يُوزع طول نفسه على الجملة الواحدة، ويستقيم به، المقامات التي تجوّل خلالها الشيخ كانت البياتي، الرست، والحجاز، وبين تنوع المقامات صار صوت الشيخ مُختلفًا في كل مرة، حتى الآذان الذي سجله بمقامات مُختلفة، كان من بينها “الحجاز” الذي تحدث عنه الشيخ “محمد الهلباوي”، في الفيلم الوثائقي “أصوات من السماء”، “مقام الحجاز مقام فرح، فجميل إن الآذان يبقى بيه”.
16 درجة صوت كان يتلون بها الشيخ، كما قال ابنه “زين”، وحيث استطاعت باحثة في دراستها عن الشيخ تفسر، أن صوت الشيخ في ابتهالاته وترتيله كان طبيعيًا، واستعراض المُنشد بصوته طبيعة النغم، ما جعله يقول ابتهال “عفوك ورضاك” في مقام الحجاز، لأنه أشبه بـ”الدعاء”، كما ذُكر بالفيلم الوثائقي.
اشتهر الشيخ بتواشيحه وابتهالاته أكثر منه كقارئ، فلم يسعفه الوقت لترتيل المصحف بأكمله، لكن ثلاثة أرباعه فقط، وطبيعة صوته التي احتاجت التبحر أكثر في النغم، لذا كان أول من أدخل النغم على التجويد.
ومن المواقف الطريفة التي تعرض لها الشيخ طه الفشني، أنه كان ينشد التواشيح في أحد الموالد بديروط، فأقسم عليه عمدة إحدى القرى التابعة لمركز ديروط، بالطلاق أن يظل الشيخ يردد نفس المقطع حتى الصباح، فلم يجد الشيخ وسيلة للفرار من القسم، وظل يردد المقطع حتى بزوغ نور الشمس، ثم غادر الصوان على عجل فرارًا من الرجل، واستقل أول قطار متجه إلى القاهرة.
سموه أهل بلدته “كروان الفشن”، وفي عصر لم يعرف التليفونات المحمولة بعد، كان الأقرباء يجلسون جوار الإذاعة، يسجلون إرثهم الغالي على أشرطة، تتراص بجوار بعضها دليلًا على وجاهة نسبهم، تتوارثه الأجيال، ويقول قريبه “أحمد”، طالب بكلية الطب، أن ما جذبه للشيخ هو وصول المعنى لديه و”النفس الطويل”.
مراتب عدة وصل إليها الشيخ الفشني، فكان أول من ظهر بالتليفزيون المصري حين نشأته، كذلك أصبح رئيس رابطة القرآن الكريم بعد وفاة الشيخ الشعشاعي، كما أنه اختير لإحياء الليالي الرمضانية بقصري “عابدين” و”رأس التين”، وصار القارئ المفضل للرئيس جمال عبدالناصر، سافر بلدان عدة لإحياء ليالي بها، وكُرم من عدة رؤساء منهم الرئيس الإيراني.
توفى الشيخ الفشني بديسمبر 1971، ولم يبق على الأرض سوى تراثه، حفظه ابنه زين، وعرضه على الأزهر الذي أجازه، كذلك في مركز “الفشن” ظلت التسجيلات وسمعة الشيخ بين عائلته يُفاخرون بها، وسماحة وجوههم تدل على خير جذورهم “مفيش مكان أروحه إلا ويقولوا وشك سمح، أقولهم أنا قريب الشيخ طه”، فيما تحمل التليفونات المحمولة هذا الفخر معهم “احنا حاطين رنة الموبايل يا أيها المختار”، ويؤمن وحيد، أستاذ اللغة العربية، أن شيوخ القرآن تشفع لنسلها حتى الجيل السادس.
المصدر : النيل للأخبار