ذكرت صحيفة الخليج الإماراتية فى مقال للكاتب على قباجة أن الحرب وضعت أوزارها أخيرا في غزة، بعد مرور عامين كان القطاع خلالهما يُدك ويُحاصر، ولعل هذه النهاية تضع حداً لنزف الدم الذي حصد عشرات آلاف الأرواح، ودمر مدناً، وشرّد مئات الآلاف، وعلى الرغم من أن الاتفاق أتى متأخراً بسبب التعنت الإسرائيلي في كل مرة، فإن وقف الحرب العبثية كانت ضرورة قصوى للإقليم، وللعالم الذي رفض بشدة الإبادة والقتل في القطاع، أو تصفية القضية الفلسطينية، وأدان عدم احترام حقوق شعب عانى طويلاً ويلات الاستعمار والاحتلال.
الاتفاق فرصة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، حيث إن ما حدث في القطاع لا يمكن ترميمه على الصعد كافة، وخصوصاً سكانه، الذين شُرِّد أهله جميعاً، وحُرِم الأطفال من تعليمهم، هذا فضلاً عن مقتل 20 ألفاً منهم في هذه الحرب التي لم تميّز بين البشر والحجر والشجر، وحرقت كل شيء أمامها، في ظل مسار ثأر اتخذته إسرائيل على عملية السابع من أكتوبر، تحوّل فيما بعد إلى أحلام للهيمنة على المنطقة، بدءاً من التخلص من القضية الفلسطينية برمتها وإنهاء «صداعها» في غزة والضفة، والعمل على التهجير، بطرق ناعمة وخشنة، كانت تمهيداً لفرض سطوتها على الجوار، وإعلان نفسها سيدة المنطقة.
ما حدث ليس مجرد رد على عملية، بل تجاوز ذلك بكثير نحو أهداف استراتيجية تتمثّل في تصحيح «خطأ» عدم تهجير الفلسطينيين في النكسة عام 1967، وهو ما عبّرت عنه إسرائيل مراراً وتكراراً، حيث ترى هذه الحكومة أنه يقع على عاتقها تصحيح ذلك، ثم التوسّع طمعاً برؤية «إسرائيل الكبرى» الممتدة في الأراضي العربية المجاورة.
الآن ثمة مرحلة خطرة، إذ إن اليمين الإسرائيلي قد لا يسّلم بإنهاء الحرب، بل إن دعوات وزرائه تزايدت للمطالبة بالمضي في القتال حتى النهاية، لوضع اليد على قطاع غزة، وإقامة المستوطنات فيه، وإعلان ضم الضفة، وخنق السكان في كانتونات والتضييق عليهم في معيشتهم وتنقلاتهم، واستخدام الضغوط القصوى تجاههم، لدفعهم إلى الهجرة وتقليص وجودهم.
مع هذه الحال، فإن وضع ضمانات صارمة تمنع إسرائيل من اختلاق الحجج للعودة إلى الحرب ضرورة قصوى، كما لا بدّ من إيجاد مسارات أخرى لوضع أُسس تعيد الحق الفلسطيني، وتنهي مأساة شعب طالت أكثر من 100 عام، لأن اللجوء إلى أي حل خلاف ذلك فإنه يسهم في اشتعال الأوضاع مجدداً، في ظل المخططات الإسرائيلية الرامية إلى التوسع تحت مبررات كثيرة.
الأيام المقبلة تحمل في طياتها مخاوف كثيرة، وهنا يتحتم على المجتمع الدولي برمته قول كلمته في الاعتراف بالحق الفلسطيني، ودعم الشعب المكلوم للحصول على استقلاله، الذي هو حق له، وإعادة إعمار ما دمر، وتثبيت وجوده في أرضه.
المصدر : صحيفة الخليج الإماراتية

