ذكرت صحيفة الخليج الإماراتية فى مقال للكاتب وليد عثمان تحت عنوان “منابع العنف” أن إطلالات العنف الذي تتعدد مناشئه وغاياته وصوره وحججه، تتقارب من جامعة، أو قاعة احتفالات، أو مكان عبادة، أو من على شاطئ، لكنه في النهاية يراكم الخسائر البشرية من الأبرياء ويوسع الفجوات بين المكونات الإنسانية.
هذه الجرائم تهدد الجهود التي بذلت وتبذل لإرساء مبادئ الأخوة الإنسانية بما تنطوي عليه من قواعد للتعايش الآمن تنعكس إيجاباً على الأفراد والمجتمعات وتضمن، في المحصلة النهائية، عالماً أقرب إلى المبتغى يسوده السلام والأمن.
إن تكرار هذه الحوادث العنيفة وتنقلها بين أكثر من موقع على خريطة العالم يفرضان مزيداً من الانتباه وضرورة للنظر في منابعها ومغذياتها وتجفيفها إلى الحد الممكن والضامن للحفاظ على الأرواح البشرية.
كثيرون لا يفصلون بين هذا العنف المتنقل والأداء السياسي الطاغي على العالم والمذكي لنيران الحروب في غير ساحة.
هذه الحروب والصراعات المولّدة لها والآثار الناتجة عنها لا تتقيد بنطاق جغرافي، فالعالم وحّدته التقنيات، لكنها لم ترسخ في معظمه قيم التعايش والمحبة، بل أصبحت ساحات إضافية للاقتتال، وناقلاً لمآسي الصراعات السياسية، خاصة حين يكون أحد طرفيها مستضعفاً مهضوم الحقوق إلى حد اليأس، وتكون أرضه وحياته مستباحتين بشكل يجعل قتله فعلاً يومياً اعتيادياً.
هذا الاعتياد ييسر، من جهة، الإيمان بالعنف والإقدام على ممارسته، ومن جهة أخرى يبرره، فتدعي كل جريمة أنها رد فعل على تطورات ساحة الحرب هذه أو تلك، أو ترفع راية الدفاع عن طائفة أو دين أو عرق أمام هجمات المغاير.
وبهذا، تتحول المجتمعات العالمية إلى ميادين للثأر الذي يعكس بلا شك العجز العالمي عن إقرار صور صامدة ومستقرة للتعايش، والالتجاء إلى القوانين الدولية التي تُفسر وفقاً للأهواء وموازين القوى، ومبادئ التكسب من الصراعات وإثراء أفراد ودول من دماء الشعوب وحقوقها.
لا شك أن السياسة العالمية منقادة في كثير من ممارساتها إلى العنف والتهديد اللفظيين بدلاً من الحكمة اللازمة للسلام العالمي، وفي المشهد أصوات من كل اتجاه تراهن على التطرف ومخالفة السائد، وخلفها أنصار يرهنون وجودهم باختفاء الآخر، ولو بقتله.
يلتقي هؤلاء الساسة مع المتطرفين في كل دين عند التربح من شيوع الصراع، والإصرار على إبراز ما يفرّق، وادعاء التفرد بالأسرار الإلهية، والوعد بنجاتهم وأتباعهم من الجحيم المعد لمن سواهم.
كل ذلك يُنتج هذا النهج العنيف الذي يختلط في تفاصيله منحدرون من أقاليم مختلفة، وأتباع ديانات وعقائد متعددة، وجهلة ومتعلمون، وشباب وكبار. كل هؤلاء يقدمون بجرائمهم أسوأ وجوه انعدام الاختلافات بين البشر، ودليلاً على خطورة تجرد الإنسان من آدميته ورهنها بتوفر شروط ومواصفات بعينها فيمن يتعامل معه.
وهذا يستدعي عدم يأس الساعين في التأسيس لأخوة إنسانية راسخة، لكنّ جهود رموز الأديان، على أهميتها، ليست كافية بذاتها، فالعالم يحتاج أيضاً إلى سياسة أكثر رشداً وعودة إلى ما يضمن له قدراً من العدالة.
المصدر : صحيفة الخليج الإماراتية

