عصفت الانسحابات المتتالية من المحكمة الجنائية الدولية بسمعة المنظمة العالمية التي اتهمت بالفشل في تلبية تطلعات المجتمع الدولي، لتحقيق العدالة التي أقرها إعلان روما القاضي بمحاكمة المتسببين في الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الاعتداء.
وأعلنت روسيا، الأربعاء، سحب توقيعها على نظام روما، المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، مؤكدة أن المحكمة “فشلت في تلبية تطلعات المجتمع الدولي”، حيث أعلنت الخارجية الروسية في بيان أنها تسحب توقيعها عملا بأوامر الرئيس فلاديمير بوتن.
وقبل أسابيع، أبلغت جامبيا المحكمة الجنائية الدولية أنها ستنسحب من المنظمة اعتبارا من العاشر من نوفمبر 2017 لتكون بذلك الدولة الثالثة بعد جنوب إفريقيا وبوروندي، التي تنسحب من المحكمة التي تتخذ من لاهاي مقرا لها.
وكان الرئيس الكيني أوهورو كينياتا، اقترح خلال القمة السادسة والعشرين للاتحاد الإفريقي في يناير الماضي، انسحابا إفريقيا جماعيا من المحكمة الجنائية، بسبب ما وصفه بـ”ازدواجية المعايير”.
من ناحيته، قال الرئيس التشادي إدريس ديبي إن المحكمة “لا تستطيع أن تقيم العدل إلا على الأفارقة فقط”.
وتواجه المحكمة الجنائية تحديات كبرى، آخرها، رفض واشنطن نتائج بحث أولي أجرته المحكمة بشأن جرائم حرب يحتمل أن يكون ارتكبها في أفغانستان في العقد المنصرم جنود أميركيون وعملاء في الاستخبارات المركزية الأميركية في منشآت احتجاز سرية في عامي 2003 و2004.
وتشعر دول عدة بالغبن، تجاه محكمة لاهاي، التي تحاول إطلاق يدها في إفريقيا، فيما هي غير فاعلة في دول أخرى لا تعترف بها، أو رفضت توقيع معاهدة روما.
ما هي المحكمة الجنائية؟
المحكمة الجنائية هي منظمة دولية دائمة، تأسست سنة 2002 كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الاعتداء.
صادقت على قانون المحكمة 123 دولة حتى 6 يناير 2015 تشمل غالبية أوروبا وأمريكا الجنوبية، ونصف أفريقيا، 34 دولة أخرى وقعت على القانون لكن لم تصادق عليه بعد، وفي عام 2002، سحبت دولتان توقيعهما على قانون المحكمة، وأشارتا إلى أنهما لا ترغبان بعد الآن بالعضوية وبذلك لم يعد هناك ما يحملهما على تنفيذ ما يترتب عليهما من التزامات تجاه المحكمة، الدولتان هما: أمريكا وإسرائيل.
تقتصر قدرة المحكمة على النظر في الجرائم المرتكبة بعد 1 يوليو 2002، تاريخ إنشائها، عندما دخل قانون روما للمحكمة الجنائية الدولية حيز التنفيذ، وبالنسبة للدول التي انضمت لاحقاً بعد هذا التاريخ، تقوم المحكمة آليا بممارسة سلطتها القضائية في هذه الدول بعد60يوم من تاريخ مصادقتها على الاتفاقية.
يحتاج تقديم دعوة للمحكمة 100 ألف تصديق من اشخاص وقعت عليهم جرائم عنصريه او ابادة جماعية او اضطهاد عرقي او مذهبي او جرائم مشابهه، وقد تعرضت المحكمة لانتقادات من عدد من الدول منها الصين والهند وأمريكا وروسيا، وهي من الدول التي تمتنع عن التوقيع على ميثاق المحكمة.
شروط الإنسحاب:
إن الانسحاب من المحكمة الدولية ليس بالأمر السهل، فطبقا لميثاق روما لعام 2002 المؤسس للمحكمة فإن البلد يبقى عضوا في المحكمة الجنائية الدولية لمدة سنة واحدة على الأقل بعد أن يخطر الأمم المتحدة بنيته الانسحاب، وبالإضافة إلى ذلك فإن البلد مطالب بالاستمرار في التعاون مع المحكمة الدولية فيما يتعلق بأي إجراءات قضائية بدأت قبل تاريخ سريان مفعول الانسحاب.
لكن سلسلة الإنسحابات تشابهت كثيرًا مع الغيث فكلاهما كان أوله قطره، ثم توالت بعد ذلك القطرات لما بات يهدد بقاء المنظمة الدولية بالأساس، البداية كانت في مطلع أكتوبر الماضي، حينما قررت دولة بوروندي الإنسحاب من المحكمة، التي كانت قد أشارت إلى أنها ستحقق وربما ستوجه الاتهام لمسؤولين حكوميين بعد أن ألقى رئيس بوروندي بيير نكورونزيزا ببلاده في أتون الاضطرابات عندما رشح نفسه لولاية رئاسية ثالثة بما يخالف الدستور.
المصدر: وكالات