يبدو أو وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران لن يكون نهاية للحرب التي استمرت لـ12 يوماً، كما يبدو أن هناك جولة أخرى تقترب بسبب الاستعدادات العسكرية لكلتا الدولتين، حيث أشار تحليل نُشر في مركز القدس للشؤون الخارجية والأمنية، إلى أن التوتر بين إيران وإسرائيل مستمر على الرغم من وقف إطلاق النار، حيث تُواصل الدولتان استعدادهما العسكري لجولة محتملة أخرى.
اعتبر مركز القدس للشؤون الخارجية في التحليل الذي أعده الكاتب، يوني بن مناحم، أن وقف إطلاق النار لم يُفض إلى إنهاء التوتر المستمر منذ سنوات بين إيران وإسرائيل، ويبدو أن هذه الهدنة مجرد هدنة مؤقتة، لأن هناك استعدادات عسكرية لكلا الجانبين، وهناك شعوراً في المنطقة بأنها تقف على حافة الانفجار، حيث يمكن أن يؤدي أي تصعيد صغير إلى تصعيد أكبر.
وأضاف أنهم في تل أبيب وطهران، يتحدثون بالفعل علناً عن “مرحلة جديدة” في المواجهة، وهي مرحلة “ردع متبادل هش” تمليها اعتبارات إقليمية ودولية، مع جدول زمني غير واضع ويعتمد على ظروف متغيرة.
من جانبها، تُواصل إسرائيل تعزيز أنظمة الدفاع وتسريع إنتاج صواريخ “حيتس”، بينما تهتم إيران بالتعافي السريع لقواتها، كما أنها “تُرسل رسالة واضحة بأنها لن تتنازل عن برنامجها النووي، حتى لو كان ذلك على حساب مواجهة أخرى”.
ويُقدر مسؤولون أمنيون إسرائيليون أن “إيران تُجري مفاوضات متقدمة مع الصين لشراء سريع لأنظمة دفاع جوي وطائرات مقاتلة، استعداداً للجولة القادمة من القتال”، ووفقاً لتقديرهم “تُخطط طهران لعملية انتقامية على شكل هجوم مفاجئ استباقي على إسرائيل، رداً على الهجوم الإسرائيلي المفاجئ الذي وقع في 13 يونيو “.
أشار رئيس الأركان الجنرال إيال زامير، في 20 يوليو ، إلى المواجهة الأخيرة مع إيران وقال إنها “كانت مجرد مرحلة واحدة في حملة مستمرة”، ووفقاً له، انتقلت إسرائيل إلى فصل جديد في الحملة، حيث يجب ترسيخ إنجازات العملية، والتي تشمل إلحاق الضرر ببرامج الصواريخ والنووي الإيرانية، مع الحفاظ على يقظة مستمرة.
وعزز وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، تصريحاته بعد يومين وحذر من أن “احتمال استئناف القتال مرتفع”، ووفقاً له، تطمح إيران إلى بناء قوة عالمية جديدة، ويجب أن يكون الاستعداد لذلك مبكراً ومنظماً وحازماً.
وفي تقييم للوضع عقده كاتس مع كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي، تقرر وضع خطة استراتيجية تمنع إيران من القدرة على استئناف برنامجها النووي، وشمل ذلك تسريع إنتاج صواريخ حيتس وتحديث أنظمة الدفاع الجوي، بما في ذلك “القبة الحديدية ومقلاع داود”.
من جانب طهران، صدرت أيضاً تصريحات لا لبس فيها، فقد أكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أن بلاده لن تتراجع عن برنامجها النووي، وأن الرد على أي هجوم إسرائيلي سيكون مؤلماً ومركزاً في قلب إسرائيل، مشدداً على أن “إيران لا ترغب في الحرب، لكنها لن تتردد في الدفاع عن نفسها بأي ثمن”، وأشار إلى أن أهداف البرنامج النووي مدنية فقط وتندرج في إطار القانون الدولي.
وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في مقابلة مع شبكة “فوكس نيوز”، إن إيران لن تتخلى عن تخصيب اليورانيوم، على الرغم من الأضرار التي لحقت بمنشآتها خلال الهجمات الأمريكية في يونيو .
وحذر رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، الذي قاد جهود الوساطة لوقف إطلاق النار، في اليوم نفسه من أنه “إذا استؤنف النشاط النووي الإيراني، فإن الولايات المتحدة سترد بهجمات متجددة ضد المواقع النووية”، وهذا التحذير، الذي نُشر بعد ساعات قليلة من تصريحات عراقجي، يُعزز التأكيد على أن استئناف البرنامج النووي خط أحمر بالنسبة لواشنطن.
ويشير المركز إلى أن المواجهة العسكرية الأخيرة بين إسرائيل وإيران استمرت 12 يوماً فقط، بين 13 و24 يونيو ، لكنها كانت مكثفة وغير عادية في نطاقها، فقد هاجمت إسرائيل مواقع نووية في فوردو، ونطنز، وأصفهان، وألحقت أضراراً بمصانع الصواريخ الباليستية وصفّت مسؤولين كباراً في الحرس الثوري وعلماء نوويين، وردت إيران بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات بدون طيار باتجاه مواقع حساسة في إسرائيل، بما في ذلك محطات الطاقة ومنشآت الاستخبارات والقواعد العسكرية، وفي النهاية تم التوصل إلى وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية، لكنه لم يتضمن اتفاقاً سياسياً منظماً أو آلية مراقبة، مما يجعله مجرد هدنة مؤقتة وليس تسوية مستقرة.
تقييم الوضع وتوقعات المستقبل
ووفقاً للتحليل، يسود في أوساط صناع القرار في إسرائيل تقدير بأن هذه المواجهة طويلة الأمد، وأن إيران تمر حالياً بمرحلة تعافٍ وإعادة تنظيم، وترى طهران أنها تعرضت للضرر والإهانة وتضررت مكانتها الإقليمية، وتسعى لاستعادة صورتها من خلال عمل انتقامي محسوب، ووفقاً لمصادر أمنية “تعتبر إيران وقف إطلاق النار إكراهاً مؤقتاً فُرض على الجانبين، بينما إسرائيل مصممة على منعها من امتلاك سلاح نووي، حتى لو كان ذلك على حساب اغتيالات مُستهدفة وهجمات على مواقع استراتيجية”.
وفي خضم وقف إطلاق النار سُجلت سلسلة من الانفجارات والحرائق الغامضة في مواقع مختلفة في جميع أنحاء إيران، وقد ادعى مسؤولون إيرانيون في 23 يوليو لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أن إسرائيل تقف وراء هذه الأضرار، وطالما لا يوجد إطار سياسي، أو قنوات رسمية، أو آليات مراقبة، يظل وقف إطلاق النار هشاً، وكل جانب يستعد للجولة التالية، وأي خطأ واحد، سواء كان سيبرانياً أو اغتيالاً آخر، قد يُشعل النيران من جديد.
ووفقاً لمصادر أمنية إسرائيلية “تُواصل أنشطة الموساد في إيران، وتعمل إسرائيل على إحباط أي هجوم إيراني محتمل، والتقدير في المؤسسة الأمنية هو أن إيران ستُفضل العمل ضد إسرائيل عبر وكلائها في الشرق الأوسط (الحوثيين في اليمن، حزب الله في لبنان، والميليشيات الشيعية في العراق)، ولن تختار المواجهة المباشرة إلا إذا شعرت أن النظام نفسه في خطر وجودي”.
ويُضيف مسؤولون في الاستخبارات الإسرائيلية، أن إيران ما زالت تُعيد بناء قدراتها العسكرية المتضررة، ولا تُسارع إلى المواجهة المباشرة، ويُقدرون أن هجوماً إيرانياً مفاجئاً لن يأتي إلا إذا رصدت أن إسرائيل معزولة سياسياً، وغارقة في ساحات أخرى، وتآكل ردعها.
وكالات

