جاء توقيع الاتفاق الإطاري بين إيران ودول 5 + 1 المتعلق بالبرنامج النووي الإيرانيفي ظل ظروف دولية وإقليمية بالغة الدقة تمر فيها منطقة الشرق الأوسط تحديدا بمرحلةتغيير جوهرية تستهدف في المقام الأول إعادة تشكيل موازين القوى بين الأقطاب الرئيسية لدول المنطقة.
وإذا كانت المصالح متباينة بين طهران ودول الشرق الأوسط من ناحية, وبينها وبين الدولالغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة من ناحية أخرى، فإن هناك أهدافا مشتركة تجمعبين هذه الأقطاب المتنافرة على رأسها مناطق للنفوذ والسيطرة في عدد من البلدان.ووفقا لاتفاق المبادىء، فإن إيران وافقت على تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي التي تستخدمهافي تخصيب اليورانيوم من 19 ألف جهاز إلى 6104 أجهزة وستقوم بتشغيل 5060 منهافقط بموجب اتفاق نووي شامل ستوقعه في المستقبل مع الدول الست الكبرى.
ويقضي الاتفاق بموافقة طهران على عدم تخصيب اليورانيوم فوق معدل 3.67%، كما وافقتأيضا على تقليص مخزون اليورانيوم منخفض التخصيب البالغ عشرة آلاف كيلوجرام إلى 300كيلوجرام من اليورانيوم منخفض التخصيب بنسبة 3.67% وعدم بناء أي منشآت جديدة لتخصيباليورانيوم لمدة 15 عاما.
وفي مقابل ذلك, تحصل إيران على تخفيف تدريجي للعقوبات الأمريكية والأوروبية مع إظهارهاالالتزام بالاتفاق النووي الشامل الذي تسعى إيران والدول الست الكبرى لإنجازهبحلول 30 يونيو المقبل.وطبقا للاتفاق، فإن هذه العقوبات سيعاد فرضها في حالة إخفاق طهران في الالتزام ببنودالاتفاق.
وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن هذا الاتفاق حقق لطهران مكسبا مهما لتخفيف العقوباتالاقتصادية وإعادة فتح قنوات الاتصال السياسية والاقتصادية مع دول العالم التيحجمت اقتصادها طوال السنوات الماضية, إلا أن آخرين يرون أنه حقق نتائج إيجابية لكبحجماح الطموح الإيراني لامتلاك السلاح النووي خلال المستقبل المنظور على الأقل,بحيث يتم وقف مساعي إيران لتصنيع وامتلاك قنبلة نووية والوصول إلى اتفاق نهائيشامل بحلول 30 يونيو المقبل.والناظر إلى الخريطة السياسية والمتغيرات الدولية التي شهدتها هذه المنطقة منذ غزوالعراق للكويت خلال العام 1990 مرورا بالغزو الأمريكي لبغداد في العام 2003 انتهاءبما سمي بثورات الربيع العربي، يلحظ تشابك الخيوط وارتباطها على نحو يقود إلىفهم أبعاد ما جرى لمحاولة استكشاف ماهو قادم.
فحالة التخبط وبؤر التوتر والاشتباكات لكثير من بلدان المنطقة تتيح الفرصة أمام قوىدولية وإقليمية منها إيران وتركيا للعب أدوار مهمة تؤثر بطبيعة الحال على مستقبلهذه المنطقة برمتها وتقود إلى صياغة معادلات إقليمية ودولية مغايرة لما درج عليهالماضي القريب لهذه الدول.
وبنظرة سريعة على العلاقات الأمريكية – الإيرانية, يمكن ملاحظة أنها مرت منذ الثورةالإيرانية في العام 1979 بمراحل شد وجذب، وبدت واضحة محاولات إيران نشر بذور ثورتهاوالتغلغل في العديد من دول المنطقة في محاولات من جانبها للاستحواذ والتأثير،فيما كان الانشغال الأمريكي بحربه الباردة مع الاتحاد السوفيتي ونجاح تفكيكه والكتلةالشرقية أحد العوامل المهمة التي سهلت على إيران بدء برنامجها النووي والنفوذإلى عدد من دول المنطقة.
وانتهجت الإدارة الأمريكية طوال السنوات الأخيرة، خاصة في أعقاب غزو العراق, عددامن السياسات تجاه إيران ركزت على التلويح بالتهديدات واستخدام العقوبات تارة واستخدامسياسة الترغيب وفتح المجال أمام الخيارات السلمية واستخدام التفاوض تارة أخرى.
ولم تنجح واشنطن على مدى عامين إبان فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابنتحقيق أهدافها من خلال التلويح باستخدام القوة فسلكت نهجا مغايرا يعتمد على إمكانيةالتعاون الاقتصادي وتخفيف حدة اللغة التي درجت واشنطن على استخدامها طوال فتراتالأزمة بين البلدين.
ولوح دبلوماسيون أمريكيون بإمكانية تخلي بلادهم عن مطالب سابقة بدعوة مجلس الأمن للتدخلفي الخلاف مع إيران حول برنامجها النووي, بالرغم من هجوم الولايات المتحدةعلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية بسبب موقفها من البرنامج.وفي بداية المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني, بدا واضحا إصرار واشنطن على عدمالتوصل إلى حلول وسط مع طهران في هذا الملف قد تتيح لإيران تخصيب اليورانيوم,ولو لأغراض سلمية، وكان واضحا أن الإدارة الأمريكية كانت متشددة وأنها لن تسمح لإيرانبأن تفرض نفسها رقما إقليميا صعبا في المنطقة، أو أن تنضم إلى نادي الدول النووية.في الوقت ذاته، أدركت إيران أن اللعب بدبلوماسية تمرير الوقت وإشعال صراعات في مناطقأخرى على غرار حرب حزب الله مع إسرائيل في العام 2006 والسير في ذات الوقت وفقاللنهج الكوري الشمالي, يمكن أن يحقق لها بعض المكاسب في خططها.كما أدركت واشنطن أن إيران استفادت كثيرا من تفكك الاتحاد السوفيتي واستطاعت الحصول(في ظل انشغال العالم بما يحدث من انهيار غير متوقع للقوة العظمى الثانية) من دولمثل أوكرانيا وغيرها على مفاعلات نووية وعلماء وتقنيين, بل إن أشد ما تخشاه الولاياتالمتحدة أن تكون طهران قد حصلت على أسلحة نووية بالفعل.من جهتها, حاولت إيران الرهان على ما ظنت أنه خلافا أوروبيا أمريكيا تاريخيا، إلاأنها اصطدمت بحقيقة أن المصالح الأوروبية الأمريكية أقوى من أي خلاف بسبب إيران.
وخلال عام 2003 بذلت كل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا جهودا حثيثة من أجل حث إيرانعلى التخلي عن عمليات تخصيب اليورانيوم وتوصلت بالفعل إلى تفاهم معها في الحادي والعشرينمن أكتوبر من نفس العام تعهدت بموجبه طهران بالكشف عن جميع أنشطتها النوويةللوكالة الدولية للطاقة الذرية وتوقيع البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر انتشارالأسلحة النووية والتعليق المؤقت للأنشطة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم مقابل وعودمن الدول الأوروبية بالسماح مستقبلا بتصدير التقنية النووية السلمية إليها.
غير أن ذلك ما لبث أن تغير وأعلنت إيران مواصلة مجهوداتها وحقها في تخصيب اليورانيوموالاستمرار في برنامجها الذي أعلنت عن أنه للاستخدامات السلمية, خاصة بعدما اكتشافطهران أن عليها الخضوع لتفتيش صارم على برنامجها النووي بعد تقرير الوكالة الدوليةللطاقة الذرية الذي صدر في فبراير من عام 2004، وأفاد بأن إيران ارتكبت انتهاكاتلتعهداتها, وأنها أخفت عمليات تخصيب اليورانيوم لفترة تزيد على 18 سنة، وأنهالم تفصح عن التصميمات التي وجدتها الوكالة في أراضيها في أوائل عام 2004 وهىتصميمات لآلات طرد مركزي تستخدم في عمليات تخصيب اليورانيوم المتقدمة، وهي أجزاءصنعتها إيران بنفسها.
وقد أدانت التقارير – التي صدرت بعد ذلك – إيران بشكل واضح، مما أدى إلى قيام الأخيرةبفض أختام الوكالة الدولية للطاقة الذرية, المركبة على بعض آلات الطرد، وأعلنتعن أنها ستستأنف العمل في معدات الطرد المركزي، إلا أنها امتنعت عن إطلاق أي تهديدبشأن تخصيب اليورانيوم.وخلال السنوات الماضية, لوحت الولايات المتحدة مرارا وتكرارا بإمكانية استخدام القوةتجاه إيران وهو ما قوبل من جانب المسئولين الإيرانيين بنفس التحدي والتهديد باستهدافالقوات الأمريكية التي كانت متواجدة في العراق وأفغانستان، ثم القيام بمناوراتعسكرية سواء داخل الأراضي الإيرانية أو بالخليج العربي في استعراض للقوة والكشفعن صواريخ متطورة انتجتها كمحاولات من جانبها لتوجيه رسائل إلى واشنطن أو تلأبيب أو دول المنطقة.
أما التلويح الإسرائيلي باستخدام القوة لتدمير خطط إيران النووية، فسرعان ما خفتتحدته وقابلته إيران بتهديدات مقابلة ومناورات عسكرية.وتوعد وزير الدفاع الإيراني في ذلك الوقت علي شمخاني بالرد على أي هجوم يستهدف منشآتإيران النووية أو العسكرية، وقال “إن هذا الرد سيكون ساحقا وسريعا، بصرف النظرعن الأضرار التي قد تلحق بالمنشآت الإيرانية”.
المصدر: أ ش أ