تحت عنوان “أمريكا هى العائق!” كتب الصحفى نبيل عمر فى مقاله بصحيفة الأهرام ..
السيدة تامى بروس المتحدثة الرسمية لوزارة الخارجية الأمريكية قالت فى موجزها الصحفي، الثلاثاء الماضي، بكل جرأة: إن مواقف الدول الأوروبية مخيبة للآمال، والاعتراف الأحادى بدولة فلسطينية غير منتج، ويعيق جهود الولايات المتحدة المستمرة نحو السلام.
نعم نعرف أنها تتحدث بلسان الإدارة الأمريكية وليس بلسانها الخاص، ونعرف أن أمريكا تعترض على مواقف أوروبا الأخيرة، وتعتبرها أخطاء جسيمة مخيبة للآمال، فأوروبا لم تعد قادرة على الصمت أمام حجج إسرائيل فى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية باسم الحرب قتلا وتجويعا وتدميرا وتعذيبا فى أهل قطاع غزة المدنيين لمدة تقترب من 600 يوم، فانتقلت من الصمت إلى التهديد بفرض عقوبات تجارية أو حظر تصدير السلاح إلى إسرائيل، وهى الآن تفكر فى الاعتراف بدولة فلسطينية، ومن هنا خرجت تصريحات بروس واصفة الفكرة بأنها تعيق جهود أمريكا فى تحقيق السلام!!.. بالطبع لن تصف السيدة تامى أى نوع من السلام تقصده أو تعمل عليه الولايات المتحدة، أو ما الذى عاق أمريكا عن تحقيقه فى 32 سنة، أى منذ توقيع اتفاقية أوسلو فى سبتمبر 1993، ومع خمسة رؤساء هم بيل كلينتون، وجورج بوش الابن، وباراك أوباما، وجو بايدن ودونالد ترامب.
هناك تجاهل للحقائق لأن السابع من أكتوبر رد فعل على احتلال وإهمال وإذلال وتوسع فى المستعمرات على أرض فلسطينية فى الضفة والقدس وتخوم قطاع غزة، وفى النهاية سلب حقوق شعب فلسطين فى أن يكون له وطن مستقل، ويمكن أن نسأل الرئيس ترامب وكل الأمريكيين دون استثناء بما فيهم المنظمات الأمريكية الداعمة لإسرائيل: هل ما فعله الأمريكيون فى ثورة الاستقلال ضد البريطانيين فى القرن الثامن عشر يعد من الأعمال الإرهابية التى كان يحق فيها للبريطانيين أن ينزلوا تقتيلا وتدميرا فى ولاية ماساتشوستس التى بدأت منها الثورة الأمريكية؟
والسؤال الأكثر أهمية: هل كان يمكن أن تنفذ حماس هجمات 7 أكتوبر لو كانت أمريكا جادة فى تحقيق السلام ونفذت تعهداتها بحل الدولتين للقضية الفلسطينية؟
قطعا أمريكا هى التى أحرقت غصن الزيتون، ومازالت تبحث عن «سلام خاص»، يضمن أمن إسرائيل، دون أن تدفع إسرائيل ثمنه، دولة فلسطينية فى المقابل.
فلسفة الولايات المتحدة التى يقف خلفها اللوبى الصهيونى فى واشنطن هى التى حددت حركتها فى مسار السلام، وهذه الفلسفة كما هى معلنة تقوم أساسا على أن إسرائيل أهم حليف استراتيجى لها فى منطقة الشرق الأوسط، لكن فى الحقيقة أمريكا تتعامل مع إسرائيل باعتبارها جزءا منها أو امتدادا لها فى الشرق الأوسط، وتعطى أمن إسرائيل وسلامتها أولوية قصوى على حساب الحقوق الفلسطينية، وهذه الفلسفة شلت قدرة أمريكا على تنفيذ حل الدولتين، لأن إسرائيل، خاصة اليمين السياسى ومتطرفيه الدينيين يرون فى الدولة الفلسطينية تهديدا مباشرا لوجودها، ولهذا ساندت الولايات المتحدة الحيل الإسرائيلية فى المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية برعاية الوسيط الأمريكى المنحاز، للهروب من أى التزام يؤدى إلى سلام شبه عادل، فالسلام العادل مستحيل فى ظل الظروف العربية الحالية، إذ يكاد الفلسطينيون، لولا وجود مصر، أن يكونوا وحدهم فى مواجهة إسرائيل ومعها أمريكا والغرب الأوروبي.
باختصار لم تكن أمريكا جادة على الإطلاق فى تحقيق السلام، وكانت تتصور أن القضية الفلسطينية فى طريقها إلى الموت البطيء كمدا، وهذا فهم خاطئ لطبيعة المنطقة وتراث أهلها، وعدم إدراك لتاريخها الطويل، فالظروف التى تبدو مواتية لتنفيذ الفلسفة الأمريكية والأهداف الإسرائيلية حدثت مرات عديدة عبر التاريخ، ولم تستطع أن تدوم مهما طال زمنها.
المصدر : صحيفة الأهرام