هل يرى من يتحدث اليابانية مثلاً الوجود – أو العالم – كما يراه من يتحدث الإسبانية ، أو كما يراه من يتحدث لغة “الهوسا” ؟ أو من يتحدث أي لغة أخرى ؟
هل هناك تأثير للغة التي يتحدثها كل من شعوب العالم على رؤيته للعالم ؟
اتجاه جديد تقوده الآن “جامعة ستانفورد” الأمريكية في مجال “السيكولوجيا المعرفية” أو “علم النفس المعرفي” يدرس على نطاق واسع العلاقة بين اللغة وإدراك “الواقع الموضوعي” أو الذي يفترض أنه “موضوعي” ، ويرى القائمون على هذه الدراسة أن ذلك الاتجاه العلمي الجديد يساعد مساعدة فعالة في تضييق المسافات بين شعوب العالم وتحقيق تفاهم أفضل بينها وفض نزاعاتها .
سأل موقع “قناة النيل” الإخباري باحثاً مصرياً بارزاً في حقل اللغويات عن رأيه في هذا التطور : فلم يبدأ ارتياحه تجاهه ، إذ يرى “د. عصام عبد الفتاح” أنه – طبعاً – هناك علاقة معروفة بين اللغة والتفكير لكنها لاتمتد إلى الاختلاف في رؤية العالم الموضوعية ، ويرى ، وهو أستاذ فلسفة اللغويات في كلية الآداب “بجامعة حلوان” ، أن الحقائق الموضوعية تظل هي هي .. بغض النظر عن اللغة التي نتحدثها .
لكن “د . ليرا بورود يتسكي” أستاذة علم النفس المعرفي في “ستانفورد” مقتنعة تماماً بتأثير اللغة على رؤيتنا للعالم ، وهي تقود الآن أبحاثاً دولية لإثبات هذا التأثير .. وفقاً لمجلة “سينتفيك أمريكان” العلمية العالمية .
الباحثون في “جامعة أبيردين”السكتلندية اكتشفوا مثلاً أن المتحدثين بالإنجليزية ( ونحن المتحدثون بالعربية ) وغيرها يعتبرون أن الإشارة إلى الخلف تعني “الماضي” بينما تعني الإشارة إلى الأمام “المستقبل” ، لكن المتحدثين بلغة “الأيمارا” المتداولة في إقليم جبال “الأنديز” يعتبرون أن الخلف يشير إلى “المستقبل” بينما الأمام يشير إلى الماضى ! فكيف تكون رؤيتهم إلى “الواقع” كرؤية غيرهم ؟
ماذا عن من يجيدون لغتين أو أكثر ؟ كيف ينظرون إلى “العالم الموضوعي” ؟
أجرت “جامعة هارفارد” الأمريكية أبحاثاً على من يجيدون الإنجليزية والإسبانية في الولايات المتحدة ، وعلى من يجيدون العربية والفرنسية في المغرب : فاكتشفوا أن الواحد منهم تتغير نظرته إلى الأمور على نحو ما عند استخدامه إحدى اللغتين اللتين يجيدهما .
هل تختلف وجهة نظر المصريين تجاه موضوع “مياه النيل” مثلاً عن وجهة نظر الإثيوبيين بسبب اختلاف اللغة ؟
هل تلعب اللغة – وفقاً لهذا المفهوم العلمي الجديد – دوراً في “الصراع العربي – الإسرائيلي” ؟
على كل حال : إذا صح هذا الاتجاه سيكون مايقول به “عامل” من العوامل في الاختلاف بين الشعوب مختلفة اللغات في نظرتها إلى الأمور ، مجرد “عامل” فقط .
جامعات من أمريكا وبريطانيا وهولندا وغيرها تبحث في هذا الموضوع ..
فهل تهتم به جامعات عربية أيضاً ؟ إن “جامعة بن جوريون” الإسرائيلية تعمل فيه ، وهي تحلل أثره في العلاقات بين المتحدثين بالعربية والمتحدثين بالعبرية .
المصدر : مجدي غنيم : المحرر العلمي لـ “قناة النيل”