تعيش غزة هذه الأيام واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخها، حيث بات الجوع مشهدا يوميا مألوفا في الشوارع ومراكز الإيواء، وسط حصار خانق تفرضه إسرائيل على القطاع منذ أكثر من شهرين، ومنع تام لدخول المساعدات الغذائية والدوائية، مما فاقم حالة الانهيار المعيشي الشامل.
وبينما أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى رسميا غزة “منطقة مجاعة”، تستمر التحذيرات الدولية من انهيار العمل الإنساني في القطاع، في ظل مواصلة إسرائيل إغلاق المعابر ومنع دخول شاحنات المساعدات.
وتجاوزت أسعار السلع الأساسية حدود المعقول، في ظل ندرة حادة في المواد الغذائية، إذ ارتفع سعر كيلو الدقيق إلى 9.45 دولارات، في حين يُباع كيس الطحين زنة 50 كيلوغراما بنحو 400 دولار، وهو ما يعادل دخل شهر كامل لعائلة متوسطة.
وتحوّل مشهد الطوابير الطويلة أمام نقاط توزيع الغذاء إلى روتين يومي يعكس حجم المعاناة التي يعيشها السكان، وسط بكاء الأطفال، وصراخ الأمهات، وتدافع الرجال في محاولة يائسة غالبا.
وباتت بعض العائلات تعتمد على خلط كميات قليلة من الدقيق -رغم فساده- مع ما تبقى من الأرز أو المعكرونة، لتوفير وجبة تسد رمق الأطفال وتمنعهم من النوم جوعى، في حين أصبحت أكياس الطحين، رغم سوء حالتها، تُعامل ككنز لا يُفرّط فيه.
وتزامنا مع توقف أغلب المطابخ الخيرية عن العمل لنفاد الإمدادات والوقود، أعلنت منظمة “المطبخ المركزي العالمي” أنها لم تعد قادرة على طهي وجبات جديدة أو خبز الخبز، في ظل إغلاق المعابر واستمرار الحصار الإسرائيلي.
وفي غضون ذلك، تشهد الأسواق شللا شبه تام في الحركة، مع اختفاء البضائع، وعجز معظم السكان عن الشراء.
وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن أكثر من 2.4 مليون فلسطيني في قطاع غزة باتوا يعتمدون اعتمادا كليا على المساعدات الإنسانية، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي منذ أكثر من 19 شهرا، الذي حوّل معظم السكان إلى فقراء ومشردين.
ونزح أكثر من 90% من الأهالي من منازلهم، بعضهم عدة مرات، ويعيشون الآن في ظروف قاسية داخل ملاجئ مكتظة أو في العراء.
ويغيب التحرك الدولي بشكل كامل في مواجهة سياسة التجويع التي تمارسها إسرائيل كأداة حرب.
وفى محاولة لكسر هذا الحصار الخانق، وجّه رئيس البرلمان العربي محمد بن أحمد اليماحي، رسائل عاجلة إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والمديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، مطالبًا فيها بتحرك فوري وفعّال لإنقاذ أطفال غزة من الموت جوعًا، والتي وصلت أوضاعهم المأساوية إلى مستويات غير مسبوقة من الجوع وسوء التغذية الحاد ونقص الدواء، ويتعرضون إلى تجويع ممنهج وحرمان قسري من الغذاء والماء والرعاية الطبية؛ مما يشكل انتهاكًا صارخًا لاتفاقية حقوق الطفل، وخرقًا فاضحًا للقانون الإنساني الدولي، يصل إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
وأكد اليماحي، خلال رسائله، أن إنقاذ أطفال غزة ليس خيارًا بل يعد واجبًا إنسانيًا.. وقال “المجتمع الدولي أمام خيارين، إما الاستمرار في مشاهدة الصور المروعة التي تظهر غزة وهي تختنق وتتضور جوعًا مما يعد مشاركة في هذه الجريمة، أو استجماع الشجاعة والجرأة الأخلاقية لاتخاذ قرارات من شأنها كسر هذا الحصار الذي لا يرحم وإدخال المساعدات”.
وشدد على أن حماية الأطفال مسؤولية جماعية، وأن إنقاذهم من المجاعة هو واجب، فالأطفال في غزة يبكون من الجوع ومن القهر الذي لا يُحتمل.. داعيًا إلى تحرك دولي جاد قبل فوات الأوان، وتأمين ممرات إنسانية دائمة وآمنة، وإدخال المساعدات الغذائية والطبية دون تأخير، مشددا على ضرورة إلزام كيان الاحتلال الإسرائيلي باحترام التزاماتها القانونية والإنسانية تجاه المدنيين، وبخاصة الأطفال.
وأشار اليماحي إلى أن البرلمان العربي سيواصل تحركاته السياسية والقانونية، على كافة المستويات الإقليمية والدولية والبرلمانية، حتى يتم وضع حد لمعاناة أطفال فلسطين، وضمان حقهم في الحياة والكرامة والطفولة الآمنة، الذين لا ذنب لهم سوى أنهم وُلدوا في أرض منكوبة ومُحاصرة، فالأطفال ليسوا طرفًا في أي نزاع، ولا يجوز أن يكونوا وقودًا للحروب والسياسات، والصمت على تجويعهم هو تواطؤ وجريمة بشعة لا يغفرها التاريخ.
المصدر : وكالات