ثلاث كلمات لها وقع السحر وإيقاع الموسيقى ومذاق الشعر ، تحمل البشرى والخبر ، والبركة والخير وعظيم الثواب والأجر ، رحلة جميلة تعيشها القلوب المؤمنة على مدار أيام الشهر ، في ليلة الرؤية إلى عيد الفطر .
ارتبط المصريون بمدفع رمضان منذ أمد بعيد ، ومن بعدهم عدد كبير من الشعوب العربية والإسلامية ، اعتمدوا عليه في إعلان موعد الإفطار عند الغروب والإمساك قبيل مطلع الفجر .
ومدفع رمضان هو أشهر المدافع على الإطلاق ، يعرفه الصغار والكبار ، يرددونه مع قائد فريق الإطلاق : مدفع الإفطار : اضرب .
بدأ الإعلان عن مواعيد الإفطار والسحور وبدء الصوم برفع الآذان .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إن بلالاً يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم” .
وكان بلال بن باح “مؤذن الرسول” يؤذن في شهر رمضان في وقت السحور ويؤذن عبدالله بن أم مكتوم لصلاة الفجر .
واستمر الأمر على هذا الحال لقرون طويلة حتى ظهرت وسائل أخرى لتنبيه الصائمين إلى موعد الإفطار والسحور .
بدأ تقليد إطلاق مدفع رمضان عند الإفطار والسحور في مصر ، وانتقل إلى مدن الشام الكبرى ، مثل دمشق والقدس “مدينة الأقصى” في فلسطين وبغداد عاصمة العراق خلال أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، وأوائل القرن العشرين إلى الكويت “1907” في عهد الشيخ مبارك الصباح ومن بعدها باقي دول الخليج ودول غرب أفريقيا وشرق آسيا ومنها إندونيسيا 1944 .
وهناك عدة روايات عن تاريخ مدفع رمضان في مصر اتفقت في الزمان والمكان والوقائع واختلفت فقط في الشخصيات .
تقول الرواية الأولى إن إطلاق مدفع رمضان بدأ في عصر دولة المماليك البرجية “الشراكسة” سنة 865هـ ، أثناء حكم السلطان خوشقدم ، أرادوا اختبار صلاحية أحد المدافع عند غروب شمس أول أيام شهر رمضان ، فظن الناس أنه تقليد جديد بدأه السلطان للتنبيه بموعد الإفطار ، فتوجهوا إلى قصره بالقلعة ، ووجهوا له الشكر على هذا الأمر ، فقرر استمرار إطلاق المدفع طوال الشهر الكريم .
والسلطان الظاهر سيف الدين خوشقدم الناصري 1393 – 1467م ، 795 – 872م ، حكم مصر لمدة 6 سنوات وكان يجيد اللغة العربية رغم أصوله الأجنبية .
سكن المماليك البرجية أبراج القلعة وهي قلعة صلاح الدين الأيوبي التي أشرف على بنائها وزيره بهاء الدين قراقوش .
الرواية الثانية تقول إن إطلاق مدفع رمضان بدأ في مصر إبان حكم محمد على باشا مؤسس مصر الحديثة سنة 1805 ، أراد تجربة أحد المدافع الذي وصل إليه من ألمانيا في نفس الوقت “ساعة الغروب أول شهر رمضان” ، فقرر استمراره بعد ان صادف قبولاً واستحساناً من المصريين .
الرواية الثالثة تقول إن هذا التقليد بدأ في عهد الخديوي إسماعيل 1863 – 1879 ، عند صيانة أحد المدافع فانطلقت منه دانة على سبيل الخطأ ، وقت الغروب ، أول أيام رمضان ، وأن الأميرة فاطمة إسماعيل بنت الخديوي أمرت باستمرار إطلاق المدفع بعد أن صادف القبول عند المصريين .
الأميرة فاطمة إسماعيل تبرعت بأرض جامعة القاهرة وأيضاً حليها ومجوهراتها للإنفاق على الجامعة .
وقيل إن عصر الوالي عباس الأول “سنة 1853” قد شهد إطلاق مدفعين الأول في القلعة والآخر من أمام قصره بالعباسية .
ونقلت الإذاعة المصرية بعد تأسيسها 1934 والتليفزيون 1960 صوت مدفعي الإفطار والسحور ، وكان يطلق 21 طلقة خلال أيام العيد .
وتوقف إطلاق مدفع الإفطار بسبب ظروف الحرب مع إسرائيل حتى أعاده اللواء أحمد رشدي وزير الداخلية 1983 ، واستمر الحال حتى أوائل التسعينيات من القرن العشرين ، حين طلبت هيئة الآثار وقف إطلاق المدفع خوفاً على آثار القلعة ، ومنها جامع محمد بن قلاوون وجامع محمد علي ، وأيضاُ جوامع المنطقة ، ومنها جامع ومدرسة السلطان حسن وجامع الرفاعي .
وفي كل عام يتم نقل المدفع على عربة كبيرة إلى مكان الإطلاق يعود بعد نهاية الشهر الكريم إلى مخزن القلعة .
ويوجد مدفع رمضان كأثر في متحف الشرطة ويتم نقل صوته حتى الآن عبر قنوات التليفزيون وشبكات الإذاعة .
المصدر : كتاب ( شهر رمضان في الجاهلية والإسلام ) للدكتور أحمد المنزلاوي