أعد وليمة كبرى للتجار والأعيان في أول أيام شهر رمضان ، وأمرهم بفتح منازلهم ومد موائدهم في شهر الإحسان ، كما أمر أن يعلق هذا القرار في كل مكان ، وكانت هذه الوليمة بداية فكرة موائد الرحمن .
كان أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية كريمًا سخيًا ، يعطف على الفقراء والمساكين ، ويقدم لهم الطعام والشراب على مدار العام ، خاصة في شهر الصيام .
ظل 3 سنوات بعد توليه الحكم يقيم وليمة كبرى للأمراء والوجهاء وكبار المسئولين في أول شهر رمضان ، وفي السنة الرابعة دعا جميع الأعيان والتجار والأثرياء إلى وليمة فاخرة تضم أشهى الطعام والشراب فلما فرغوا منها خطب فيهم وقال : “جمعتكم لأعلمكم طريق البر بالناس وأخبرهم بأنه يعلم جيداً أنهم ليسوا في حاجة إلأى هذا الطعام والشراب” .
وأضاف : “ولكن آمركم من الآن أن تفتحوا بيوتكم ، وتمدوا موائدكم للسائل والمحروم ، ومن لاينفذ هذا الأمر يتعرض لأشد العقاب” .
وأمر ابن طولون بأن يعلق هذا القرار في كل مكان ، وانتشرت من هذا الوقت موائد الرحمن ، واكمتد يها الزمان حتى الآن .
كان الأثرياء في عصر أحمد بن طولون يرسلون خدمهم إلى الطرق والشوارع والأسواق للبحث عن الصائمين وإحضارهم لتناول طعام الإفطار ، والطريف أنهم كانوا في بعض الأحيان يأتون بهم بالقوة لتناول الطعام إرضاء لسادتهم .
رأى أحمد بن طولون العمال المشاركين في بناء مسجده يعملون حتى الغروب فسأل مساعديه : متى يتمكن هؤلاء من إحضار الطعام لأبنائهم ؟ وأمر بصرفهم ساعة العصر ، وأصبح هذا الأمر تقليداً في شهر رمضان .
ومسجد أحمد بن طولون من أكبر مساجد العالم الإسلامي ، تبلغ مساحته 6.5 فدان ، حيث تم العمل فيه 9 سنوات 256 – 265هـ ، شيدت مئذنته على غرار مئذنة مسجد سامراء بالعراق ( الملوية ) المشهورة بسلمها الخارجي .
ولد احمد بن طولون 220 – 270هـ 835 – 883م ، وحكم مصر16 عاماً نشأ نشأة عسكرية ، وتعلم العلوم الفقهية في العراق والشام وتفوق في علم الحديث .
كان أبوه مملوكًا تركيًا أرسله حاكم بخارى هدية إلى الخليفة العباسي المأمون وترقى حتى أصبح رئيسًا للحرس .. وطولون كلمة تركية تعني البدر الكامل .
تم تعيين أحمد بن طولون واليًا على مصر زمن الخليفة العباسي المعتز بالله وبعد عام واحد استقل بحكم مصر له ولأولاده .
تعاقب على حكم مصر من الطولونيين ، أحمد بن طولون ، وأبو الجيش خمارويه ، وأبو العسكر جيش بن خمارويه ، وهارون بن خمارويه ، وأبو المناقب شيبان بن أحمد بن طولون .
وقد تزوج الخليفة المعتصم العباسي ابنة خمارويه الأميرة قطر الندى في واحد من أشهر أفراح التاريخ امتد من القاهرة إلى بغداد .
دعوة ابن طولون
أعدها الأغنياء والقادرون للصائمين ، خاصة الفقراء والمساكين ، ابتغاء مرضاة رب العالمين .
بدأت في مصر منذ أكثر من ألف عام بدعوة من أحمد بن طولون كان النبي – صلى الله عليه وسلم – كما ورد في حديث ابن عباس رضي الله عنهما : أجود من الريح المرسلة وكان أجود مايكون في شهر رمضان .
مضى صحابته الكرام على هديه الشريف قدم أبو بكر الصديق رضي الله عنه كل ماله في سبيل الله ، ولما سأله النبي – صلى اله عليه وسلم – :
ماذا تركت لأولادك يا أبا بكر ؟
قال : تركت لهم الله ورسوله .
كما أنشأ عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – داراً للضيافة تقدم الطعام في شهر رمضان للصائمين من غير القادرين وأيضًا لعابري السبيل .
ومن العادات التي حافظ عليها الخليفة العباسي هارون الرشيد في شهر رمضان إقامة الولائم للصائمين في حديقة قصره ، ويمضي متخفيًا بينهم يسألهم عن رأيهم في طعامهم ، ويطمئن على حسن خدمتهم .
وفي مصر أقام الإمام الليث بن سعد مائدة للفقراء طوال الشهر الطريم ، عليها أطيب الطعام والشراب ، رغم أنه لايأكل في هذا الشهر إلا الخبز والفول ، ولم ينس تقديم الحلوى لهم .
وحرص الخليفة المعز لدين الله الفاطمي على إقامة وليمة للعلماء والفقهاء أول شهر رمضان ، كما أقام موائد للصائمين في المناطق الشعبية بجوار المساجد .
ولد أحمد بن طولون في شهر رمضان وجاء إلى مصر في شهر رمضان 254هـ – 868م ، وتوفي 270هـ – 884م .
وعاش الناس في عصره في رخاء ورفاهية وكان حاكمًا عادلاوكريمًا.
واستمرت موائد الرحمن على امتداد 1143 عاماً ، حافظ عليها المصريون ، وأقاموها في طول البلاد وعرضها للصائمين من غير القادرين وعابري السبيل .
“ومن سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة” كما أخبر إمام النبيين وخاتم المرسلين .
المصدر : كتاب ( شهر رمضان في الجاهلية والإسلام ) للدكتور أحمد المنزلاوي